وقال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: المودع يعني بكسر الدال: من له التصرف في الوديعة بملك، أو تفويض، أو ولاية، كالقاضي في مال اليتيم، والغائب والمجنون والمودع - يعني بفتح الدال - من يظن حفظه، والأظهر أن شرطها باعتبار جواز فعلها وقبولها حاجة الفاعل وظن صونها من القابل، فتجوز من الصبي الخائف عليها إن بقيت بيده، وكذا العبد المحجور عليه، ويجوز أن يودعا ما خيف تلفه بيد مودعه إن ظن صونه بيد أحدهما لاحترامهما وثقتهما، كأولاد المحترمين وعبيدهم عند نزول بعض الظلمة ببعض البلاد ولقاء الأعراب القوافل، والأصل في هذه النصوص الرأفة على حفظ المال والنهي عن إضاعته، قال اللخمي - رحمه الله تعالى - في البخاري ومسلم قال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " نهى عن إضاعة المال " نقله في المواهب.
قوله: وصدقن مودعا الأبيات الثلاثة، معناه أن المودع إذا قال: رددت إليه وديعته صدق بيمين، حيث لم يكن قبضها ببينة مقصودة للتوثق، وإلا فلا يصدق إلا ببينة، ومثله عامل القراض والمستأجر، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: وهذا في من دفع الأمانة إلى اليد التي دفعتها إليه، وأما من دفعها إلى غير اليد التي دفعت إليه فعليه ما على ولي اليتيم من الإشهاد، قال الله عز وجل:(فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) فإن لم يشهد فلا يصدق في الدفع إذا أنكر القابض، لا أحفظ في هذا الوجه نص خلاف إلا على قول ابن الماجشون في من بعث ببضاعة مع رجل إلى رجل أنه لا يلزمه الإشهاد في دفعها إليه وهو مصدق، وإن أنكر القابض كانت دينا أو صلة.
وأما إذا ادعى المودع التلف فإنه يصدق مطلقا، كان الإيداع ببينة أو لا، ويحلف إذا كان متهما، والفرق بين الموضعين عدم تيقن كذب مدعي التلف، بخلاف مدعي الرد فهو كاذب قطعا على دعوى المودع قاله سيدي زروق - رحمه الله تعالى -.