للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: وبينه وبين ما قد حرما البيتين، معناه أن بين الحلال والحرام أمورا مشتبهة كما في حديث الصحيح " الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله تعالى محارمه " (١).

والمشتبهات: الأمور التي يطرق حليتها الاحتمال، من الاشتباه، وهو الاختلاط والالتباس، ولا خلاف في الأمر بالتنزه عنها، كما اقتضاه الحديث الشريف، واختلف هل ذلك على سبيل الوجوب، أو الاحتياط، وهو مذهبنا كما هو مقتضى ابن رشد - رحمه الله تعالى -.

قال ابن ناجي: قال الفاكهاني - رحمهما الله سبحنه وتعالى -: لا ينبغي اليوم أن يسأل عن أصل شيء، فإن الأصول فيه فسدت، واستحكم فسادها، بل يأخذ الشيء على ظاهر الشرع أولى له، من أن يسأل عن شيء فيتعين له تحريمه، ثم هو الأرفق بالناس، لا قول من قال: الحلال ما علم أصله، والذي عندي في هذا الزمان أن من أخذ قدر الضرورة لنفسه وعياله، من غير سرف ولا زيادة على ما يحتاج إليه، لم يأكل حراما، ولا شبهة، وقد قال القاسم بن محمد - رضي الله تعالى عنهما -: لو كانت الدنيا حراما لما كان بد من العيش، ألا ترى أنه يحل أكل الميتة، ومال الغير للمضطر على تفصيل تقدم، فما ظنك بما ظاهره الإباحة؟ هذا ما لا يكاد يختلف فيه اليوم والله سبحانه وتعالى أعلم.

والأولى للمرء في خاصة نفسه أن يتورع عما لا تتبين عنده حليته، لحديث " دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك " (٢) وإنما يعتبر الشك المستند إلى علامة، وغيره وسوسة، والوقوف معه تنطع.


(١) متفق عليه.
(٢) رواه الترمذي والنسائي والدارمي والإمام أحمد.

<<  <   >  >>