للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: وسمعك الغناء البيت، معناه أن سماع الأغاني منهي عنه، أما ما كان منها بآلة فلا تفصيل فيه، وأما ما كان دونها فلا يمنع لذاته، وإنما يمنع لما يعرض له، ولا ينبغي الإكثار منه على الإطلاق، قال القرطبي - رحمه الله تعالى -: الغناء المعتاد عند المشتهرين به الذي يحرك النفوس، ويبعثها على الهوى والغزل والمجون، الذي يحرك الساكن، ويبعث الكامن، فهذا النوع إذا كان في شعر يشبب فيه بذكر النساء، ووصف محاسنهن، وذكر الخمور والمحرمات، لا يختلف في تحريمه، لأنه اللهو والغناء المذموم بالاتفاق، فأما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في أوقات الفرح كالعرس والعيد، وعند التنشيط على الأعمال الشاقة، كما كان في حفر الخندق، وحدو أنجشة، (١) وسلمة بن الأكوع، (٢)


(١) في حديث أنس ـ رضي الله تعالى عنه ـ في الصحيحين وغيرهما، أن رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ كان في بعض أسفاره، وغلام أسود يقال له أَنْجَشَة يحدو، فقال له رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ: " ارفُق ـ يا أنجشة ـ ويحك بالقوارير ".
(٢) لعله يقصد عامر بن الأكوع، وهو عم سلمة بن الأكوع ـ رضي الله تعالى عنهما ـ ففي الصحيحين وغيرهما عن سلمة بن الأكوع، أنهم خرجوا مع رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ إلى خيبر، فقال رجل من القوم: أيا عامر لو أسمعتنا من هنيهاتك، فنزل يحدو بهم، يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدنا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما اقتفينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا
وألقين سكينة علينا ... إنا إذا صيح بنا أتينا

فقال رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ " من هذا السائق؟ " فقالوا: عامر، فقال: " يرحمه الله تعالى " قال رجل من القوم وجبت يا رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ وجاء في الصحيحين وغيرهما أنه ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ كان ينشدها يوم الخندق وهو ينقل التراب.

<<  <   >  >>