للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: وخفه البيت، أشار به إلى وجوب الخوف والرجاء والشكر، أما الخوف والرجاء فهما أمران متلازمان، فالخوف المحض يأس، وقد قال سبحانه وتعالى: (لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) والرجاء المجرد أمن من مكر الله سبحانه وتعالى، وقد قال جل من قائل: (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) وبالخوف يكون الكف عن المناهي، وبالرجاء يكون القيام بالأوامر، وأما الشكر فهو بتذكر نعمه سبحانه وتعالى التي لا يدخل أدنى طرف منها تحت حصر، ولو كنت من أعظم الناس بلاء، ولا يمكن حصول أيسرها إلا بمحض فضله ومنه، فيحمده سبحانه وتعالى عليها، ويعترف بعجزه عن بلوغ شكر يسيرها، ولقد أحسن من قال:

إذا كان شكري نعمة الله نعمةً ... عليَّ له في مثلها يجب الشكرُ

فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتسع العمْرُ

ويتقرب إليه بأداء ما افترض عليه، وترك ما نهاه عنه، مع التقرب بما تيسر من أنواع القرب، وقد جاء في الحديث الشريف عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - كان يقوم من اليل حتى تتفطر قدماه، فقلت: لم تصنع هذا يا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وقد غفر الله سبحانه وتعالى لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: " أفلا أكون عبدا شكورا " (١) وقد جاء في الأثر عن السلف أن نوحا - على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - كان يحمد الله سبحانه وتعالى على طعامه، وشرابه، ولباسه، وشأنه كله، فلهذا سمي عبدا شكورا، وجاء في الحديث القدسي " ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعيذنه " (٢).


(١) متفق عليه.
(٢) رواه البخاري والإمام أحمد.

<<  <   >  >>