حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ الْكِنْدِيَّ، وَقَالَ: يَا ابْنَ بَرْدَعَةِ الْحِمَارِ، احْذَرْ خَدَائِعَ قُرَيْشٍ، وَلَا تُعَامِلْهُمْ إِلَّا بِالثِّقَافِ ثُمَّ بِالْقِطَافِ. فَمَضَى حُصَيْنٌ حَتَّى وَرَدَ مَكَّةَ، فَقَاتَلَ بِهَا ابْنَ الزُّبَيْرِ أَيَّامًا، وَضَرَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فُسْطَاطًا فِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَ فِيهِ نِسَاءٌ يَسْقِينَ الْجَرْحَى وَيُدَاوِينَهُمْ، وَيُطْعِمْنَ الْجَائِعَ، وَيَكْتُمْنَ إِلَيْهِمُ الْمَجْرُوحَ.
فَقَالَ حُصَيْنٌ: مَا يَزَالُ يَخْرُجُ عَلَيْنَا مِنْ ذَلِكَ الْفُسْطَاطِ أَسَدٌ كَأَنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ عَرِينِهِ، فَمَنْ يَكْفِينِيهِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: أَنَا. فَلَمَّا جَنَّ اللَّيْلُ وَضَعَ شَمْعَةً فِي طَرَفِ رُمْحِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ فَرَسَهُ، ثُمَّ طَعَنَ الْفُسْطَاطَ فَالْتَهَبَ نَارًا، وَالْكَعْبَةُ يَوْمَئِذٍ مُؤَزِّرَةٌ بِالطَّنَافِسِ، وَعَلَى أَعْلَاهَا الْحِبَرَةُ، فَطَارَتِ الرِّيحُ بِاللَّهَبِ عَلَى الْكَعْبَةِ حَتَّى احْتَرَقَتْ، فَاحْتَرَقَ فِيهَا يَوْمَئِذٍ قَرْنَا الْكَبْشِ الَّذِي فُدِيَ بِهِ إِسْحَاقُ. قَالَ: وَبَلَغَ حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ مَوْتُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَهَرَبَ حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ. فَلَمَّا مَاتَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ دَعَا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ إِلَى نَفْسِهِ، فَأَجَابَهُ أَهْلُ حِمْصَ وَأَهْلُ الْأُرْدُنِ وَفِلَسْطِينَ. فَوَجَّهَ إِلَيْهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّ فِي مِائَةِ أَلْفٍ، فَالْتَقَوْا بِمَرْجِ رَاهِطَ، وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ فِي خَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَمَوَالِيهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَقَالَ مَرْوَانُ لِمَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ كِدَةُ: احْمِلْ عَلَى أَيِّ الطَّرَفَيْنِ شِئْتَ. فَقَالَ: كَيْفَ أَحْمِلُ عَلَى هَؤُلَاءِ لِكَثْرَتِهِمْ؟ قَالَ: هُمْ بَيْنَ مُكْرَهٍ وَمُسْتَأْجَرٍ، احْمِلْ عَلَيْهِمْ لَا أُمَّ لَكَ، فَيَكْفِيكَ الطِّعَانُ النَّاصِعُ هُمْ يَكْفُونَكَ أَنْفُسَهُمْ، إِنَّمَا هَؤُلَاءِ عَبِيدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ. فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فَهَزَّهُمْ، وَقُتِلَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ، وَانْصَدَعَ الْجَيْشُ. فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ زُفَرُ:
لَقَدْ أَبْقَتْ وَقِيعَةُ رَاهِطَ ... لِمَرْوَانَ صَرْعَى بَيْنَنَا مُتَنَائِيَا
أَتَنْسَى سِلَاحِي لَا أَبَا لَكَ إِنَّنِي ... أَرَى الْحَرْبَ لَا تَزْدَادُ إِلَّا تَمَادِيَا
وَقَدْ يَنْبُتُ الْمَرْعَى عَلَى دِمَنِ الثَّرَى ... وَتَبْقَى حَزَازَاتُ النُّفُوسِ كَمَا هِيَا.
وَفِيهِ يَقُولُ أَيْضًا:
أَفِي الْحَقِّ أَمَّا بَحْدَلٌ وَابْنُ بَحْدَلٍ ... فَيَحْيَا وَأَمَّا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَيُقْتَلُ
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ لَا تَقْتُلُونَهُ ... وَلَمَّا يَكُنْ يَوْمٌ أَغَرُّ مُحَجَّلُ
وَلَمَّا يَكُنْ لِلْمَشْرَفِيَّةِ فِيكُمُ ... شُعَاعٌ كَنُورِ الشَّمْسِ حِينَ تَرَحَّلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute