حَدِيثًا، لَوَّثُوا الْحَرَمَيْنِ مَقَامًا، وَاسْتَحَلَّ بِهَا قِتَالًا، وَلَكِنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِلُّ [بِهِ] حَرَمَ اللَّهِ وَحَرَمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُرْمَةَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، [فَطَلَبَ إِلَيْكُمْ الْحُسَيْنُ الْمُوَادَعَةَ وَسَأَلَكُمُ الرَّجْعَةَ فَاغْتَنَمْتُمْ] قِلَّةَ أَنْصَارِهِ وَاسْتِئْصَالَ أَهْلِ بَيْتِهِ، كَأَنَّكُمْ تَقْتُلُونَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ التُّرْكِ أَوْ كَابُلَ.
وَكَيْفَ تَجِدُنِي عَلَى وُدِّكَ، وَتَطْلُبُ نَصْرِي، وَقَدْ قَتَلْتَ بَنِي أَبِي، وَسَيْفُكَ يَقْطُرُ مِنْ دَمِي، وَأَنْتَ تَطْلُبُ ثَأْرِي، فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يُطِلُّ إِلَيْكَ دَمِي، وَلَا تَسْبِقُنِي بِثَأْرِي، وَإِنْ تَسْبِقْنَا بِهِ فَقَبِلْنَا مَا قُتِلَتِ النَّبِيُّونَ [وَآلُ النَّبِيِّينَ]، فَطَلَبَ دِمَاءَهُمْ فِي الدِّمَاءِ، وَكَانَ الْمُوعِدَ اللَّهُ، وَكَفَى بِاللَّهِ لِلْمَظْلُومِينَ نَاصِرًا مِنَ الظَّالِمِينَ مُنْتَقِمًا. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مَا عِشْتَ يُرِيكَ الدَّهْرُ الْعَجَبَ، حَمْلَكَ بَنَاتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَحَمْلَكَ أَبْنَاءَهُمْ أُغَيْلِمَةً صِغَارًا إِلَيْكَ بِالشَّامِ، تُرِي النَّاسَ أَنَّكَ قَدْ قَهَرْتَنَا وَأَنَّكَ تُذِلُّنَا، وَبِهِمْ وَاللَّهِ وَبِي مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ وَأُمِّكَ مِنَ السِّبَاءِ، وَايْمُ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُصْبِحُ وَتُمْسِي آمِنًا لِجِرَاحِ يَدِي وَلَيَعْظُمَنَّ جَرْحُكَ بِلِسَانِي وَبَنَانِي وَنَقْضِي وَإِبْرَامِي، لَا يَسْتَغِرَّنَّكَ الْجَدَلُ، فَلَنْ يُمْهِلَكَ اللَّهُ بَعْدَ قَتْلِكَ عِتْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَأْخُذَكَ اللَّهُ أَخْذًا أَلِيمًا، وَيُخْرِجَكَ مِنَ الدُّنْيَا آثِمًا مَذْمُومًا، فَعِشْ لَا أَبَا لَكَ مَا شِئْتَ فَقَدْ أَرْدَاكَ عِنْدَ اللَّهِ مَا اقْتَرَفْتَ.
لَمَّا قَرَأَ يَزِيدُ الرِّسَالَةَ قَالَ: لَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مُنْصَبَّا عَلَى الشَّرِّ.
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ جَمَاعَةٌ لَمْ أَعْرِفْهُمْ.
١٢٠٨٣ - وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ تَثَاقَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ طَاعَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَأَظْهَرَ شَتْمَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ يَزِيدَ، فَأَقْسَمَ لَا يُؤْتَى بِهِ إِلَّا مَغْلُولًا، وَإِلَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِ. فَقِيلَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ: أَلَا نَصْنَعُ لَكَ أَغْلَالًا مِنْ فِضَّةٍ تَلْبَسُ عَلَيْهَا الثَّوْبَ، وَتَبَرُّ قَسَمَهُ، فَالصُّلْحُ أَجْمَلُ بِكَ، قَالَ: فَلَا أَبَرَّ اللَّهُ قَسَمَهُ، ثُمَّ قَالَ:
وَلَا أَلِينُ لِغَيْرِ الْحَقِّ أَسْأَلُهُ ... حَتَّى يَلِينَ لِضِرْسِ الْمَاضِغِ الْحَجَرُ.
ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ فِي عِزٍّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ضَرْبَةٍ بِسَوْطٍ فِي ذُلٍّ. ثُمَّ دَعَا إِلَى نَفْسِهِ، وَأَظْهَرَ الْخِلَافَ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ. فَوَجَّهَ إِلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ الْمُرِّيَّ فِي جَيْشِ أَهْلِ الشَّامِ، وَأَمَرَهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ سَارَ إِلَى مَكَّةَ.
قَالَ: فَدَخَلَ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ الْمَدِينَةَ، وَهَرَبَ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ بَقَايَا أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَبَثَ فِيهَا، وَأَسْرَفَ فِي الْقَتْلِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا. فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ مَاتَ وَاسْتَخْلَفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute