مَاعَلِمْتُ عَلَى أَهْلِكَ إِلَّا خَيْرًا، إِلَّا أَنَّهَا امْرَأَةٌ نَئُومٌ، تَنَامُ حَتَّى تَجِيءَ الدَّاجِنُ فَتَأْكُلَ عَجِينَهَا، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا حَتَّى لَيُخْبِرَنَّكَ اللَّهُ.
فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا: " يَا عَائِشَةُ، إِنْ كُنْتِ فَعَلْتِ هَذَا الْأَمْرَ فَقُولِي حَتَّى أَسْتَغْفِرَ اللَّهَ لَكِ ". فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهُ أَبَدًا، إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُهُ فَلَا غَفَرَهُ اللَّهُ لِي، وَمَا أَجِدُ مَثَلِي وَمَثَلَكُمْ إِلَّا مِثْلَ أَبِي يُوسُفَ - وَذَهَبَ اسْمُ يَعْقُوبَ مِنَ الْأَسَفِ -: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف: ٨٦]
فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَلِّمُنَا إِذْ نَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْوَحْيِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَعْشَةٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَائِشَةَ: قُومِي فَاحْتَضِنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ لَا أَدْنُو مِنْهُ. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَاحْتَضَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَبْتَسِمُ، فَقَالَ: " يَا عَائِشَةُ، قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَكِ ". فَقَالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ لَا بِحَمْدِكَ. فَتَلَا عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُورَةَ النُّورِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ خَبَرُهَا وَعَذَرُهَا وَبَرَاءَتُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قَوْمِي إِلَى الْبَيْتِ ". فَقَامَتْ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَسْجِدِ، فَأَمَرَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَجَمَعَ النَّاسَ، ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنَ الْبَرَاءَةِ لِعَائِشَةَ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعَثَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ الْمُنَافِقِ، فَجِيءَ بِهِ فَضَرَبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّيْنِ، وَبَعَثَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ، وَحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَضُرِبُوا ضَرْبًا وَجِيعًا وَوُجِئَ فِي رِقَابِهِمْ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّمَا ضَرَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّيْنِ ; لِأَنَّهُ مَنْ قَذَفَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَيْهِ حَدَّانِ. فَبَعَثَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْكَ وَأَنْتَ ابْنُ خَالَتِي، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا قُلْتَ فِي عَائِشَةَ؟ أَمَّا حَسَّانُ فَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَيْسَ مِنْ قَوْمِي، وَأَمَّا حَمْنَةُ فَامْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا عَقْلَ لَهَا، وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَمُنَافِقٌ، وَأَنْتَ فِي عِيَالِي مُنْذُ مَاتَ أَبُوكَ وَأَنْتَ ابْنُ أَرْبَعِ حِجَجٍ، وَأَنَا أُنْفِقُ عَلَيْكَ وَأَكْسُوكَ حَتَّى بَلَغْتَ، مَا قَطَعْتُ عَنْكَ نَفَقَةً إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَرَجُلٌ لَا وَصَلْتُكَ بِدَرَاهِمَ أَبَدًا، وَلَا عَطَفْتُ عَلَيْكَ بِخَيْرٍ أَبَدًا، ثُمَّ طَرَدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَخْرَجَهُ مِنْ مَنْزِلِهِ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور: ٢٢]. الْآيَةَ، فَلَمَّا قَالَ: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: ٢٢]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute