للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَوْلهمْ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق، وَسِيلَة إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن، فاللفظ الَّذِي يَقُوله الْمُتَكَلّم: إِمَّا أَن ينشئه الْمُتَكَلّم من نَفسه ويلفظه من فَمه، فَذَلِك لَفظه خَاصَّة، وَلَا يكون اسْتِعْمَاله الْحلق وَاللِّسَان لإظهاره لفظا، لِأَن ذَلِكَ تصرف الْحلق فِي ذَلِكَ الْكَلَام لَازم لداخل الْفَم غير خَارج مِنْهُ، فَلَا يُسمى لفظا لِأَنَّهُ غير ملفوظ. وَإِمَّا أَن يكون أنشأه غَيره، فَلفظ هُوَ بِهِ من فَمه وَأَدَّاهُ إِلَى السَّامع، فيستعمل فِي إِظْهَاره حلقه وفمه حَتَّى يُخرجهُ لفظا بِلَفْظ، وحرفا بِحرف، فَيكون ذَلِكَ اللَّفْظ لذَلِك الْمُتَكَلّم الْمُؤَدِّي، لِأَنَّك إِذا قَرَأت قَول امْرِئ الْقَيْس: قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل ... .

فَإِن السَّامع يسمعهُ مِنْك، وَقد لفظ بِهِ امْرُؤ الْقَيْس، فَإِذا قلت: لَفْظِي بقول امْرِئ الْقَيْس كَانَ خطأ لِأَن الَّذِي لفظت لَهُ لَيْسَ بِلَفْظ لَك، بل هُوَ لفظ امْرِئ الْقَيْس، وَإِذا سَمعه سامع فَقَالَ: مَا أحسن لفظ امْرِئ الْقَيْس وَقَوله وَلَا يَقُول: مَا أحسن لفظك وقولك، وَإِذا قَالَ ذَلِكَ كَانَ مخطئا. وَهَكَذَا الْقُرْآن إِذا قَرَأَهُ قَارِئ فَإِنَّمَا قَرَأَ كَلَام الله تَعَالَى وَلَفظ بِهِ، وَلم يقْرَأ مَعَ الْقُرْآن كَلَامه الَّذِي هُوَ لَفظه، وَلِأَن الْمُتَكَلّم إِذا تكلم بِكَلَام لَا يَخْلُو أَن يكون لَفظه، أَو لفظ غَيره، ومحال أَن يكون لَفظه وَكَلَامه غَيره مَعًا لفظا وَاحِدًا فِي حَالَة وَاحِدَة، فَإِذا لم يجز هَذَا صَحَّ أَن الَّذِي يتَلَفَّظ بِهِ من الْقُرْآن كَلَام الله عَزَّ وَجَلَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>