مَا يتَعَلَّق بالأمور الدنوية من الْأكل وَالشرب والإمساك عَمَّا يضر بِهِ والإسراع إِلَى مَا يَنْفَعهُ، فَدلَّ أَن قَلِيل الْعقل وَكَثِيره لَا مجَال لَهُ فِي الدّين مَا لم تنضم إِلَيْهِ قرينَة، وَلِأَن الْعقل يتَضَمَّن ظنا وشكا، لِأَن الْعَاقِل إِذا قَالَ شَيْئا فِي أَمر الدّين يعقله قَالَ كَذَا يُوجب عَقْلِي فيكل علم ذَلِكَ إِلَى عقله وظنه والعالم يَقُول: هَذَا الَّذِي أعلمهُ يَقِينا وأتحققه.
وَمن الدَّلِيل عَلَى ضعف الْعقل أَن الدّين لَا يدْرك بِهِ أَن الله تَعَالَى ذمّ الْمُنَافِقين الَّذين كَانُوا يرجعُونَ فِي نفاقهم إِلَى عُقُولهمْ فَقَالَ تَعَالَى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ من بعد مَا عقلوه وهم يعلمُونَ} أَي من بعد مَا قَالُوا: وقفنا عَلَى كَلَام الله تَعَالَى بعقولنا وهم يعلمُونَ بطلَان مَا أدركوه بعقولهم.
فَدلَّ هَذَا عَلَى أَن معنى كَلَام الله لَا يدْرك بِالْعقلِ وَإِنَّمَا يدْرك بِالْعلمِ، وَلِأَن الْعقل لَا مجَال لَهُ فِي إِدْرَاك الدّين بِكَمَالِهِ وبالعلم يدْرك بِكَمَالِهِ، وَلِأَن الْعلم يستحسن أَشْيَاء فِي الدّين وَلَا يردهَا شرعا ويستقبحها الْعقل ويردها طبعا فَإِن مجامعة الزَّوْج امْرَأَته يردهَا الْعقل ويحسنها الْعلم وَالشَّرْع، وَأكل الْميتَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute