الثاني قول الآخر:
(ليسَ من شأنهِ إذا دراتِ الكأسُ ... فأزرى ادمانهُ بالحلومِ)
(قولُ ما أسخط النديمَ وإن أسخطهُ ... عند ذاك قولُ النديم)
إلا أن في هذين البيتين عيبين أحدهما التضمين والآخر قول عند ذاك وهي زيادة لا يحتاج إليها. وقال يحيى بن زياد:
(ولستُ له في فضلة الكأسِ قائلاً ... لأصرفهُ عنها تحس وقد أبى)
(ولكن أحيِّيه وأكرمُ وجهه ... وأشربُ ما أبقى وأسقيهِ ما اشتهى)
(وليسَ إذا ما نام عندي بموقظٍ ... ولا سامع يقظان شيئاً من الأذى)
وهذا جامع جداً. ومن جيد ما قيل في مدح النديم قول أعرابي وقد قيل له: كم تشرب من النبيذ؟ قال على قدر النديم. ومن المنظوم قول بعضهم:
(ورضيع راضعت في كبرِ السن ... فأضحى أخاً لدىَ مطاعا)
(لم يكنْ بيننا رضاعٌ ولكنْ ... صيرتْ بيننا المدامُ رضاعا)
وهو من قول الناشئ: المدام الرضاع الثاني. ويقولون ذكرُ الرجل عمره الثاني ٠ وروى ابن عون عن ابن سيرين أنه قال: لا تكرم أخاك بما يشق عليه، قالوا معناه لا تسقيه من النبيذ ما لا يقوم به ٠ وجعل آخر النديم قطب السرور في قوله:
(أرَى للرَاح حقاً لا أرَاهُ ... لغير الراحِ إلا للنديمِ)
(هو القطبُ الذي دارَت عليهِِ ... رَحا اللذاتِ في الزَمنَ القديمِ)
وقلت:
(لما تبدَّى وَجْههُ ... كالبدرِ من خلل الغمامِ)
(وكأنَهُ ضوءُ الصباح يميسُ في خلع الظلامِ)
(آثرتُ طاعةَ حبه ... واخترتُ معصيةَ المدام)
(لا أستفيدُ من المدام ... سوى منادمةِ الكرام)
(فإذا حننتُ إلى الندام ... فقد حننت إلى المدامِ)