ومن عجيب التشبيه في وصف اعتدال الظل عند الظهيرة قول الراجز
(وانتعل الظل فصار جوربا ... )
وقال آخر:
(إذا شئتُ أدَّانيَ صرومٌ مشيعٌ ... معي وعقامٌ تتقي الفحل مُقلت)
(يطوف بها من جانبيها ويتقي ... بها الشمس حيٌّ في الأكارع ميت)
أداني: أعاني، صرومٌ: أي صارمٌ، مشيعٌ: شجاع كأن معه أصحاباً يشيعونه فهو جرئ يعني قلبه، العقام: التي لا تلد فذاك أشد لها يعني ناقة، والمقلت: التي لا يبقى لها ولدٌ، وحيٌ في الأكارع ميتٌ: يعني ظلا قد ضارع عند انتصاف النهار. ومن بديع ما قيل في السراب قول ابن المعتز:
(وما راعني بالبَيْنِ إلا ظعائنٌ ... دَعوْنَ بكائي فاستجابت سواكبه)
(بدَتْ في بياض الآلِ والبعدُ دونهُ ... كأسطر رِقٍّ أمرضَ الخط كاتِبه)
ولهم في وصف الأسفار في البحار شعرٌ قليلٌ فمن أجود ما وصف به الموج قول الهذلي:
(نعاجٌ يرتمين إلى نعاج ... )
ولا أعرف في السير والنعاس أجود لفظاً واستعارة مما أنشدناه أبو تمام:
(يقولُ وقد مالت بنا نشوةُ الكرَى ... نعاساً ومن يعلق سُرى الليل يكسل)
(أنخ نُعطِ أنضاء النُعاسِ دواءَها ... قليلاً ورفّهَ عن قلائصَ ذبّلِ)
(فقلتُ له كيف الإناخةُ بعد ما ... حدا الليل عريان الظريفة مُنجلي)
ومما يجري مع ذلك قول الآخر:
(عودٌ على عود على عود خلق ... كأنه والليل يرمي بالغسق)
(مشاجبُ وفلق سقبٍ وطلق ... )
وعود: يريد شيخاً كبيراً؟ على عود أي على بعير مسن، على عود خلق أي طريق قديم دارس فكأنه يريدُ كأن ذلك كما قال رؤبةُ:
(فيها خطوطٌ من سواد وبلق ... كأنّه في الجلدِ توليعُ البهقِ)
أي كأن ذلك شبه البعير بالمشاجب والطريق بالسقب وهو عمودٌ من عمد