وكتب أبو القسم الآمدي: وصار كاتب الديوان أفرغ من حجام ساباط وحسبك أيدك الله أن كاتب الديوان في هذا الوقت شيخٌ كان يخلفني ويخلف من كان يلي الديوان قبلي يُعرفُ بابن نوح حسن الشيبة عظيم الهامة كثير الصمت لو رأيته لقلتَ هذا نوح النبي & سمتاً ووقاراً وليس له عملٌ خلف سلته إلا صيد الذبانِ فهو أعلم خلق الله بأجناسها إذا مر به ذبانَ يطيرُ عرفه بطيرانه قبل أن يسقط فيقول هذا ذكرٌ وهذا أنثى وهذا ربيعيٌ وهذا صيفي وهذا مُلحٌ وهذا لجوجٌ يسقط على العين والأنف ويطرد فيعود وهذا يلسع وهذا ليس بلساع وهذا يقع على الأقذار وهذا نزهٌ عيوف لا يقع إلا على المآكل الحلوة والأشياء العذبة وهذا من صيد الليث وهو جنس من العناكب وليس هذا من صيده وهذا يقع في شبكة الخدرنق وهو العنكبوت الطويل الأرجل وهذا يسفدُ وهو يطير وهذا لا يسفد إلا واقعاً وهذا مما يدخل رأسه في رؤوس الذبان السبعة التي تقع في الأكحال لأنه أقرح وهذا إن وقع رأسه في كحل عمي من يكتحل به لأنه أحمر الجبهة وهذا يقبل بدنه على خرطومه وهذا لا يقبل وهذا هزجٌ مغنٍ وهذا صموتٌ وهذا يُنذرُ وهذا يبشرُ بطنينه وزمزمته فيصدق فيما يعدُ ويوعد ويكون ذلك أخذاً بالكف. وقد ألف فيها كتابا حسنا فيه نوادر وعبر. وظننته قد نظر في باب الذباب والبعوض من كتاب الحيوان واستقى من هناك ففاتحتة فاذا هو لايعرف الجاحظ ولا سمع بكتاب الحيوان قط ونظرت فإذا أبو عثمان لم ينته في معرفة الذباب إلى شئ مما انتهى إليه وعرفه. ومن أجود ما قيل في البراغيث قول بعضهم وقد ظرف في ذلك:
(فيا لعبادِ اللهِ ما لقبيلةٍ ... إذا ظهرتْ في الأرضِ شدُ مُغيرها)
(فلا الدينُ ينهاها ولا هي تنتهي ... ولا ذو سلاح من معدٍ يضِيرُها)
وقال آخر:
(هنيئاً لأهل الرّيِّ طيبُ بلادهم ... وأن أميرَ الرِّيِّ يحيى بنُ خالدِ)