(إذا البعوضُ زجلتْ أصواتها ... وأخَذَ اللحن مُغنياتها)
(لم تُطربِ السامع خافضاتها ... وأرقَ العينينِ رافعاتها)
(صغيرةٌ كبيرةٌ أذاتها ... يقصر عن بُغْيتها بُغاتها)
(ولا يصيب أبداً رُماتها ... رامحة خرطومها قناتها)
وقال آخر:
(حنانة أعظمها أذاها ... )
وقال ابن المعتز:
(بتُ بليلٍ كلّهِ لم أطرفِ ... قرقسهُ كالزيبر المنتَّفِ)
(يثقبُ الجلدَ وراء المطرفِ ... حتى ترى فيه كشكل المِصحفِ)
(أو مثل روس العصفر المندَّف ... )
وقلت:
(غناءٌ يسخنُ العينَ ... وينفي فَرَحَ القلبِ)
(ولا يأتي على الزمرِ ... ولا يجري مع الضّرب)
(غِناءُ البقَ بالليلِ ... ينافي طرَبَ الشّربِ)
(إذا ما طرَقَ المرء ... جرى في طلقِ الكرب)
(نحيفٌ راحِ كالشنَ ... ولكنْ بات كالوطب)
(إذا ما نقبَ الجلدَة ... أخفى موضعَ النَّقب)
(سوى حمرٍ خفياتٍ ... تحاكي نقطَ الكتبِ)
وقد ذكروا أن كل معنى للأوائل أخذه المتأخرون وتصرفوا فيه إلا قول عنترة في الذباب فإنه لم يتعرض له ولو رامة من رامه لا فتضح وهو قوله:
(وترى الذبابَ بها يُغني وحدَهُ ... زجلاً كفعل الشاربِ المترنمِ)
(هزجاً يحكُ ذراعَه بذراعهِ ... فعلَ المكبَ على الزنادِ الأجذمِ)
وقلت:
(وبدا فغناني البعوضُ مُطرباً ... فهرقتُ كأس النوم إذ غناني)
(ثم انبرى البرغوثُ ينقطُ أضلعي ... نقطَ المعلمُ مُشكلَ القرآن)
(حتى إذا كشفَ الصباحُ قِناعَه ... قرأتْ ليَ الذبانُ بالألحانِ)