للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غائب وأفجع آيب. وقلت:

(تكلف مدحَ الشيبِ عندي مُعَّمرٌ ... وهل يمدحنَّ الشيبُ إلا تكلفا)

(فقلت أنظرني أو لا منه مؤلماً ... لقلبِ فتًى أو آخراً منه مُتلفا)

(تصرَّم من عمري ثلاثونَ حِجةً ... لبستُ بها ثوبَ الشبّابِ مُطرَّفا)

(شبابٌ أطارَ الوجدَ عنّي غيابُهُ ... وصرفُ زمانٍ لم أجد عنه مصرفا)

(أقمتُ به صدرَ السرورِ فلم يَزَلْ ... به الشيبُ حتى ردّه مُتحنِّفَا)

(فطِرْ بجناحِ اللهوِ في زَمَنِ الصِّبا ... فأخِلق به إنْ شئتَ أنْ يتحيفا)

(تناولَ وخْط الشيب أطرافَ عارضي ... فأصبحَ ليلاً بالصباحِ مُشنَّفا)

ومن المشهور قول دعبل الخزاعي:

(لا تعجبي يا سلمَ من رجلٍ ... ضحك المشيبُ برأسهِ فبكى)

ومما يحتج به للمشيب على الشباب أن الشباب قلما يبقى أكثر من أربعين سنة وقد يعيش المرء في الشيب التسعين والمائة، وقال امرؤ القيس في ذلك:

(ألا انَّ بعدَ الفقرِ للمرءِ قنوةَ ... وبعد المشيبِ طولَ عمرٍ ومَلبَسَا)

وقال أعرابي:

(ما بالُ شيخ قد تخدّد لحمهُ ... أبلى ثلاثَ عمائم ألوانا)

(سوداءُ داجيةٌ وسحقٌ مفوّفُ ... وأجدّ لوناً بعد ذاك هجانا)

(قصّر الليالي خطوهُ فتدانى ... وحنونَ قائمَ ظهرهِ فتحاني)

(والموتُ يأتي بعد ذلك كلهِ ... وكأنما يعني بذاك سوانا)

لا أعرف في وصف الشيب من أول ما يبتدئ إلى أن ينتهي أحسن من هذا، وقوله

(وكأنما يعني بذاك سوانا)

من أبلغ ما يكون من الموعظة. وقلت:

(وشبابٍ خفَ نازله ... ليته عادَ كما كانا)

(ومشيب آبَ نازلهُ ... ليته إذ كان ما بانا)

<<  <  ج: ص:  >  >>