من نعمتك إلا كان الشكر مقصراً عن الحق والنعمة زائدة على ما لم تبلغه الطاقة ولم أسلك سبيلا ألتمس بها ما أعتد به في مجازاتك إلا وجدت فضلك قد سبقني إليها فقدم لك الحق وأحرز لك السبق فجعلت الاعتراف بالتقصير عن حقك هدية إليك تفي ما يجب لك والعذر في العجز عن برك براً أتوصل به إليك:
(إنْ أهدِ نفسي فهو مالكها ... ولهُ أصونُ كرائمَ الذُخرِ)
(أو أهدِ مالاً فهو واهبهُ ... وأنا الحقيقُ عليه بالشكرِ)
(أو أهدِ شُكري فهو مُرتهنٌ ... بجميلِ فعلك آخرَ الدهرِ)
(والشمسُ تَستغني إذا طلعت ... أن تستضئ بسة البدرِ)
ثم قرأه علي فقلت أبا عثمان الساعة قرأت عليك لابن أبي طاهر هذه المعاني بأعيانها قال والساعة عملتها وليس بيننا حشمة. ولا أعرف لهاتين الرسالتين في هذا الباب نظيراً في رقة معانيها وحسن تخريجها، ورسالة سعيد بن حميد أكثرهما معاني. وأول من افتتح المكاتبة في التهاني بالنوروز والمهرجان أحمد بن يوسف أهدى إلى المأمون سفط ذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه وكتب معها هذا يوم جرت فيه العادة بألطاف العبيد السادة وقد قلت:
(على العبد حقٌ فهو لا شكَ فاعُلْه ... وإن عَظمَ المولى وجلت فضائِلُهْ)
(ألم ترنا نُهدي إلى اللهِ مالهُ ... وإن كان عنهُ ذا غِنىً فهو قابِلُهْ)
(ولو كان يُهدي للجليل بقدرهِ ... لقصر عسل البحر عنك وناهلُهْ)
(ولكننا نُهدي إلى من نجلهُ ... وإن لم يكن في وُسعنا ما يُشاكُلهْ)
فأخذ سعيد بن حميد هذه المعاني وكتب إلى ابن صالح بن يزداد: النفس لك والمال منك والرجاء موقوف عليك والأمر مصروف إليك فما عسانا أن نهدي لك في هذا اليوم وهو يوم قد شملت فيه العادة للأتباع الأولياء بإهدائهم إلى السادة العظماء وكرهنا أن تحليه من سننه فنكون من المقصرين أو ندعي أن