اسم ثلاثي، وهو أعدل الكلام، حرف يبتدأ به، وحرف تُحشى به الكلمة، وحرف يوقف عليه؛ وفتحوا أوله، لأن أول الحروف يحرّك حركةً ضروريةً، والفتح أخف الحركات، فهي حظه إلى أن يحدث مانع؛ وسكّنوا الحرف الأوسط تخفيفاً لكثرة استعمالها، لأن الحركات أبعاض الحروف، بل تُجريها العرب مجرى الحروف في مواضع. ألا ترى أنهم أجازوا صرف هند اسم امرأة معرفة، فإذا تحرك الأوسط منه مُنع الصرف البتة، كقولك فدْمٌ، إذا جعلتها اسماً فصارت الحركة في منع الصرف بمنزلة الياء من زينب، والألف من عناق، كما يجرون الحروف مجاري الحركات، قالوا لم يسعَ ولم يرمِ ولم يغزُ، فحذفوا أواخر هذه الحروف للجزم كما تحذف الحركات من لم يخرجْ ولم يجلسْ؛ وأما لم يكُ ولم يُبَلْ ولا يَدْرِ فحذفوا أواخرها تخفيفاً، لأن الشيء إذا كثر استعماله يتأول بالحذف أكثر. وقال الفرّاء في المُشكل: الأصل في ايْش أيُّ شيءٍ فحذفوا ياء وهمزة شيء وبنوهما كلمة واحدة. لما كان الشيء عبارة عن كل معنى، لأن أعم الأسماء شيء، ثم الجوهر أخص منه، إذ كان كل جوهر شيئاً، وليس كل شيء جوهراً، ثم الجسم أخص منه، إذ كان كل جسم جوهراً، وليس كل جوهر جسماً، ثم الحيوان أخص منه، إذ كل حيوان جسم، وليس كل جسم حيواناً، ثم على ذلك: الناس أخص من الحيوان، إذ كل ناس حيوان، وليس كل حيوان ناساً، ثم الرجل أخص منه، إذ كل رجل إنسان، وليس كل إنسان رجلاً، ثم زيدٌ أخص من رجل، ولذلك صار علماً، والأسماء على ثمانية أضرب: أسماء الأجسام كالحجر والمدَر، وأسماء الصفات وهو ما كان حلياً أو نسباً أو إشارةً كالأحمر والطويل والقرشيّ، والصناعات تجري مجراها نحو البقال والهبْرقيّ، وأسماء الإشارة نحو هذا وأولئك، وأسماء الأحداث كالقيام والقعود، ومن هذا القسم اشتُقت أسماء الأفعال، فما تصرّف منها وصدر عنها الأفعال، فهي المصادر، والأسماء الأعلام كزيد وعمرو، وأسماء الأمكنة وأصلها الجهات الست خلف وقدّام، وفوق وتحت، ويسرة ويمنة، وما ضارعها، وأسماء الأزمنة كالشهور والدهر، وأسماء الفاعلين كقائم وقاعد، وأسماء المفعولين كمضروب ومقتول. ودخول الألف واللام على الخمر لتعريف الجنس، كقولهم: أهلك الناسَ الدينارُ والدرهمُ، أي هذا الجنس هو الذي أهلكهم، ودخلت اللام وحدها للتعريف، والهمزة دخلت لسكون اللام، يدلك على ذلك إيصالهم حرف الجر إلى ما بعد حرف التعريف، نحو: عجبتُ من الرجل، فتعود الحركة فيه إلى ما بعد حرف التعريف، ولو كان الألف واللام بأجمعهما للتعريف لما كان يجاوز حرف الجر إلى ما بعده، ثم إن التنكير ضدٌّ للتعريف، وهو بحرف واحد كالتنوين في آخر الاسم، وكذلك التعريف بحرف واحد، وجعلوا حرف التعريف واحداً لأنهم أرادوا خلطه بما بعده، ومزجه به كما أُحدث فيه من انتقال المعنى حيث يضعف عن انفصاله عما بعده فيُعلم بذلك أنهم قد اعتزموا على خلطه به، وسكّنوه لأن تسكينه أبلغ وأشد في إضعافهم إياه، وإعلامهم الحاجة إلى ما اتصل به لأن الساكن أضعف من المتحرك، وأشد افتقاراً إلى ما يتصل به، واختاروا اللام لأنهم أرادوا إدغام حرف التعريف فيما بعده، لأن الحرف المدغم أضعف من الحرف الساكن غير المدغم، وجعلوها في أول الكلام. والزيادات تقع آخر الكلام لأنهم صانوه وشحّوا عليه حتى جعلوه للحاجة إليه في موضع لا يحذف منه حرف صحيح البتة، واللام حرف صحيح، فاحتاطوا عليه بأن جعلوه في الأول ليبعد عن الحذف والاعتلال.