للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سقاني فروّاني كُميتاً مُدامةً ... على ظمإٍ منّي سلامُ بنُ مِشْكَمِ

تخيّرتُهُ أهلَ المدينةِ واحداً ... سواهمْ فلمْ أغبنْ ولم أتندَّمِ

فلمّا تولى الليلُ قلتُ ولمْ أكنْ ... لأفرحه أبشِرْ بعُرفٍ ومَغنمِ

وإنْ أبا عثمانُ بحرٌ، ودارُهُ ... بيثربَ مأوى كلِّ أبيضَ خِضْرِمِ

حانة رَيْمان:

كانت حانة ريمان بهَجَر، وليس يُدرى أهي منسوبة إلى رجل أم إلى موضع، وقد ذكرها الراعي النميري حيث يقول:

وصهباءَ من حانوتِ ريمانَ قد غدا ... عليَّ ولم ينظرْ بها الشرقَ صابحُ

يُقصّرُ عنها النومَ كأسٌ رويّةٌ ... ورخصُ الشواءِ والقِيانُ الصوادحُ

يُغَنّينا حتى نروحَ عشيةً ... نجيّاً وأيدينا لأيدٍ تُصافحُ

وبيتنا على الأنماطِ والبيضِ كالدمى ... تضيءُ لنا لَبّاتِهنَّ المَصابحُ

إذا نحنُ أنزلْنا الخوابيَ علَّنا ... معَ الليلِ مكتومٌ من القارِ طافحُ

حُنين الخمّار:

كان حُنين بالحيرة، وكان الأُقيشر يلزم حانته، ويعامله، وحنين يُنسئه إذا ضاقت يده، فلقيت امرأة محتالة الأقيشر بالكوفة فعرفته ولم يعرفها، فقالت: أنا أم حنين الخمّار بعثني لأشتري له حاجة، وقال: إن احتجتِ إلى زيادة فخذي من أبي معرّض، وكان الأقيشر يكنى أبا معرّض، وقد عجزتْ دراهمه درهمين، فأعطني درهمين حتى يعطيك بها شراباً، فقال: نعم ورَحباً وكرامةً؛ فأعطاها الدرهمين، ثم جاء إلى حنين فشرب ما عنده، فلما أنفد ما معه حَسَبَ الدرهمين، فقال: أي الدرهمين؟ فقال: اللذين أخذتهما مني أمك بالكوفة، فقال: لا والله ما أخذت منك أمي شيئاً، قال فاسمع ما أقول، قال: هاته، فأنشده:

لا تغرَّنَّ ذاتُ خُفٍّ سوانا ... بعدَ أختِ العبادِ أمَّ حُنينِ

وعدَتْنا بدرهمينِ طِلاءً ... وصِلاءً مُعجّلاً غيرَ دَينِ

ثمَّ ألْوَتْ بالدرهمين جميعاً ... يا لقومٍ لضيعةِ الدرهمينِ

عاهدَتْ زوجَها وقدْ قالَ إنّي ... سوفَ أغدو لحاجةٍ وَلِدَينِ

فدعَتْ بالحصانِ أحمرَ جَلْداً ... وافرَ الأيرِ مُرسلَ الخُصيتينِ

قال: ما أجرُ ذا؟ هُديتِ فقالت: ... سوفَ أعطيكَ أجرهُ مرتينِ

فأبدأ الآنَ بالسفاحِ فلما ... سافَحتْهُ أرضتْهُ بالأُجرتينِ

تَلَّها للجبينِ ثمّ امتطاها ... عائرَ الأيرِ أفحجَ الحالبينِ

بينما ذاكَ منهُما وهيَ تحوي ... ظهرَهُ باليدينِ والمِعصمَينِ

جاءَها زوجُها وقدْ شِيمَ فيها ... ذو انتصابٍ مُوثَّقُ الأخدعينِ

فتأسّى، وقال: ويلٌ طويلٌ ... لحُنينٍ من عارِ أمِّ حُنينِ

فقال الخمّار ما تريد إلى هجاء أمي؟ فقال: أخذت مني دراهم ولست تعطيني شراباً. فقال: والله ما تعرفك أمي، ولا أخذت منك شيئاً، فانظر إلى أمي، فإن كانت هي صاحبتك غرّمتها، فقال: لا والله! ما أهجو غيرَ أم حنين وابنها، فإن كانت هي أمك فالهجاء لها، وإلا فهو لمن أخذ درهمَيَّ، قال: إذاً لا يفرّق الناس بينهما. قال: فما عليّ؟ أترى درهميّ يضيعان؟ قال: فكفَّ إذاً حتى أغترمهما وأتخلص أنا وأمي منك، لا بارك الله فيك، وأعطاه شراباً بدرهمين.

خِيق الخمّار:

قال: ضرب عليُّ بن هندي البعثَ إلى سجستان، فنزل في موضع بها يقال له كوه زِيان وتفسيره جبل الخُسران، وكان هناك خمّار يقال له خِيق، يبيع الخمر، ويقودُ على امرأته، وعلى عواهر عنده، وكان أبو الهندي ملازماً له، فبينا هو يشرب إذ نفر الناسُ إلى الغزو، وخرجوا على راياتهم وهو جالس على جناح في دار الخمار، يشرف على الناس، وهو سكران طافح، فأنشأ يقول:

نفرَ الناسُ على راياتِهم ... وأبو الهنديِّ في كوهِ زِيانِ

قدْ غدا يشربُها مشمولةً ... من سُلافٍ بزلوها في الدنانِ

بينَ ندمانٍ وعُودٍ غَرِدٍ ... ونساءٍ غانياتٍ وزَوانِ

آخذاً بالحظِّ من هذا وذا ... سادِراً في بيتِ خِيقِ الكُلتبانِ

سُميَّق الخمّار الحِيريّ:

<<  <   >  >>