قال الأصمعي تكون من عنب أبيض، فلا تكون قانية الحمرة إنما يشوبها بياض؛ وصهباء صفة في الأصل لا تنصرف في معرفة ولا نكرة لأنها بُنيت على حرف التأنيث، وصارت العلة تقوم مقام علتين فزالت عن حد التمكُّن؛ وحد التمكن الذي يستحق به الاسمُ الصرفَ أن يدل على ما تحته من النوع ثم خروجه عن هذه الشريطة على أنحاء شتى، منه التعريف والعجمة والصفة والعدل والجمع الذي لا مثال له في الواحد، وأن تجعل الاسمين اسماً واحداً، والتأنيث لغير فرق، وزيادة الألف والنون في آخره. فمتى كان في الاسم منها اثنان، أو تكرر واحد فيه مُنع الصرف. والصُّهبة في الشعر حُمرة يخالطها بياض، ورجل أصهب، ورجال صُهْب. فإن جعلت الصهباء اسماً لمسمى جمعتَه على صَهباوات، وفي المذكّر أُصاهب كحدراء وحدراوات، وأحمد وأحامد. وقالت العرب في صفات على هذه البنية ما قلنا. وذهبت بها مذاهب الأسماء لا الصفات. قالوا في أدهم وهو القيد أداهم، وفي أبطح أباطح كأنهم لما دلت على ذات الشيء أجروها مُجرى الأسماء. قال الشاعر:
أوعدَني بالسجنِ والأداهم ... رِجلي ورِجلي شَثنَةُ المَناسِمِ
وقالوا في أبرق أبارق، وهو صفة، وأنشد الأصمعي لابن الطثرية:
قِفا نَثنِ أعناقَ الهوى بمُرنَّةٍ ... جنوبٍ تُداوي غِلَّ شوقٍ مُماطلِ
بمنحدرٍ منْ فرعِ برقاءَ حّطَّهُ ... مخافةُ بينٍ من خليطٍ مُزايلِ
وقال الأعشى:
وصهباءَ طافَ يهوديُّها ... وصلى على دنّها وارتسمْ
صلى دعا، وقد انتقل بالشرع إلى هذه الأفعال المخصوصة، وانتقال الكلام من ثلاثة أوجه مثلما انتقل من وضع إلى وضع كقولهم وَذْرٌ ووَدْعٌ استغنوا عنه بترك.
وأنشد الجاحظ في كتاب الحيوان:
ومُركِضةٍ صريحيٍّ أبوها ... يهانُ بها الغلامةُ والغُلامُ
وحُكي أن يونس بن حبيب قال: هذا من الكلام المتروك، استُغني بالغلامة عن الجارية، ومنه ما انتقل من وضَعٍ إلى شرع كالصلاة والزكاة والحج. ومنه ما انتقل من وضع إلى عُرف كالدابّة تقع على كل ما يدب على ظهر الأرض، ثم انتقل بالعُرف إلى هذه البهيمة المركوبة حتى لا يعقل بمجرد اللفظ غيرها.
السَّلسل
قال الأصمعي هي السهلة في الحلق. يقال ماء سلسل أي سهل الممر في اللهوات. قال أوس بن حجر:
وأَشرَنيهِ الهالكيُّ كأنّهُ ... غديرٌ جرتْ في مَننهِ الريحُ سلسلٌ
والسلسل الماء جرى في صبب، وتسلسل الماء في الحلق. وكان أصل سلسل في التقدير سلَّل فأبدل من إحدى اللامات سيناً فرقاً بين فَعلل وفَعَّل، وإنما أُبدل سيناً دون سائر الحروف لأنه ليس فيه إلا سين ولام مضعّفة فجعلوا السين سينَيْن فاعتدل الحرف بسين مرتين، وهذا الحكم في الأسماء والأفعال واحد. وكذلك تململ أصله تمَلَّل فجعلوا بين اللامَيْن ميماً تعديلاً وتخفيفاً، وفي الأسماء كَبكبٌ وسَبسبٌ وعَرعر وهو كثير، وفَدفد. قال الأصمعي: السُّلاسل الماء السهل في الحلق. قال أبو عبيد: السَّلاسل رمل ينعقد بعضه على بعض، وبه سُميت السِّلسلة وقال أبو عبادة:
سَقاني القهوةَ السَّلسلْ ... شبيهُ الرَّشأ الأكحَلْ
مَزجْتُ الراحَ منْ فيهِ ... بمثلِ الراحِ أوْ أفضَلْ
عذيري مِن تثنّيهِ ... إذا أدبرَ أوْ أقبَلْ
ومِنْ وَردٍ بخدّيْهِ ... إذا جَمّشتُهُ يخجَلْ
السَّلسال
هي في معنى السلسل، ولكنهم أشبعوا فتحة السين فجعلوها ألفاً، وهو فَعْلاء؛ لمثل ذلك قالوا الكلكل ثم أشبعوا فتحة الكاف فجعلوها ألفاً، فقالوا: كَلكال. أنشد سيبويه:
......... ... أقول إذا خرَّتْ على الكَلْكالِ
وكذلك قول عنترة:
ينباعُ منْ ذي غضوبٍ جَسرةٍ ... زيّافةٍ مثلِ الفنيقِ المُكْدَمِ
وأراد ينبع فأشبع فتحة الباء فجعلها ألفاً. وقال بعضهم: هو من انباع كقول الآخر:
يجمعُ حِلماً وأناةً معاً ... ثُمتَ ينباعُ انبياعَ الشجاعِ
سمعت أبا علي الفارسي بحلب يقول في بيت ابن هَرْمة:
وكنتَ من المعائبِ حين تُرمى ... ومن ذمِّ الرجالِ بمُنتزاحِ
أراد بمنتزح فأشبع الفتحة فجعلها ألفاً. ويُشبعون الضمة فيجعلونها واواً وأنشد:
وإنني حيثما يَثني الهوى بَصري ... من حَوْثما سلكوا أدنو فأنظورُ
ويُشبعون الكسرة فيجعلونها ياء، وأنشد: