والشعراء يصفون الشراب وأرجَه، ونشرَ الأعطاف والبشرات، وطيبة النكهة، وسلامةَ الريق بجميع أنواع الطيب سوى الكافور. وقول الله تعالى: " مِزاجُها كافوراً، عيناً يشرب بها عبادُ الله " فإن الكافور نهر في الجنة. وتقول كأن القرنفل على أنيابه، والزنجبيل باتَ فيه، والمسكَ شِيبَ بجوانبه، والعنبرَ يُستنشق منه. وتقول في الخمر مِسكيّةٌ وَرديّة إلى غير ذلك.
قال الغساني:
أَنسيمُ ريقِكِ أختَ آلِ العنبرِ ... هذا أمِ استنشاقةٌ من ْ عنبرِ
وقال حبيب:
يُهدي إليكَ نسيمَهُ فكأنّما ... شِيبَتْ جوانبُهُ بمسكٍ أذفرِ
وقال المرار:
أَناةٌ كأنَّ المسكَ دونَ شِعارِها ... يُقطّبُه بالعنبرِ الوردِ مُقطِبُ
وقال الأعشى:
إذا تقومُ يَضوعُ المسكُ أَصوِرَةً ... والعنبرُ الوردُ من أردانِها شَمِلُ
قال الفراء: تغمّرت الشرابَ، وتمقَقتُه وتوّتحته وتمزّرته شربته قليلاً قليلاً. ونَئِفَ من الشراب ارتوى، وأمغد أكثر من الشرب ونقعت نقوعاً، وبضعتُ بضوعاً رَويتُ. ويقال للمعاود للأمر: شرابٌ ناقع. والغُبْجة والنُّغْبة الجرعة، فإن غُصَّ بالشراب قيل شرقتَ وجئزت، وشَجيتَ بالعظم، وغصصت بالطعام، وسَففت الدواء سفّاً، وسَفَتَّه سَفْتاً، وسَفِهتَه سفَهاً إذا أكثرت فلا تروى، والسفاهة في الناس ترجع إلى هذا. قال ذو الرمة:
وأخضرَ مُوشيِّ القميصِ نصبتهُ ... على خصرِ مِقلاتٍ سفيهٍ جَديلُها
أي خفيف هافٌّ مضطرب. والبَغَر والبَحَر في الماء كالبَشَم في الطعام. الإعظار أن يكظَّهُ الشرابُ ويثقل في جوفه، والترشُّف الشربُ بالمصّ، ومن أمثالهم: الشربُ أروى، والرَّشفُ أنفع. ويقولون: ليسَ الريُّ عن التشافِّ أي شرب شفافة الشراب وعيرت امرأة زوجها فقالت: إنّ شربك لاستشفاف، وإنَّ ضَجعتكَ لانجعاف، وإن شملتكَ لالتفاف، وإنك لتشبع ليلةَ تُضاف، وتأمن ليلةَ تخاف. والتبرّض التقلّل منه، والتخبب الامتلاء، والمُجدَّح الشرابُ المخوَّض. وصفحتُه صفَحاً أي سقيته أيّ شرابٍ كان. والعَفْقة الشربة، تعفّقتُه تعفّقاً أي شربت، وافتغمت ما في الإناء شربته كله. والزَّغلة المجَّة من الشراب، والمُجاجة الفَضلة التي تُمجّ، والنَّضْح والنَّشْح دون الريّ. قال ذو الرمة:
........... ... وقدْ نَشحْنَ فلا رِيٌّ ولا هضمُ
وقال زهير:
.......... ... فلا فَوتٌ ولا دركُ
وقال عنترة:
.......... ... لا ممعنٍ هرباً ولا مُستسلمِ
وفي كلامهم: لا قتيلٌ فيودى ولا أسيرٌ فيُفدى. وقالت سلمى في صخر: لا حيٌّ فيُرجى، ولا ميت فيُنسى. وقال حاجب: ما القعقاع برطبٍ فيُعصر ولا يابسٍ فيُكسر. ورجلٌ سِكّير كثير السُّكر، وثَمِلٌ ومُنتشٍ ونشوان. والخِمّيرُ الكثير الشربِ للخمر، وسكران مُلْتَخٌّ ومُلْطَخّ إذا اختُلط عليه أمره. والطافح والدِّهاق والمُفعَم والمُتأَق والرَّيّان الممتلئ، والطافح المرتفع، ومنه سكرانُ طافحٌ أي ملأه الشرابُ حتى ارتفع، والمُغربُ والمسجور والساجر.
قال النمر:
إذا شاءَ طالعَ مسجورةً ... ترى حولَها النبعَ والسماسا
والمُفرَم المملوء بالماء. قال ابن قتيبة في كتاب إصلاح الغلط على أبي عبيد: لا أدري من أي شيءٍ أخذ عبد الملك في خطابه الحجّاج لما شكاه أنس: يابنَ المُستفرِمة بعجم الزبيب، وهو من قول امرئ القيس:
مستفرماتٍ بالحصى جَوافِلا ... ...........
[الباب الأول]
[التعريش والعناقيد]
إبراهيم بن المهدي:
منابتُ كرمٍ تظلُّ النبي ... طُ تعملُ منهُ عريشاً عريشا
إذا أنتَ قابلْتَها خِلتَها ... مطارفَ خُضراً كُسينَ النقوشا
الباذاني:
وعناقيدَ تراها ... إذْ تمايلْنَ مَميلا
رُكِّبَتْ فيها لآلٍ ... لم تُثَقَّبْ فَتجولا
كالثُّريا قد أرادتْ ... عندَ إسفارٍ أُفولا
ابن المعتز:
حتى إذا حَرُّ آبٍ فارَ مِرجلُهُ ... بفائرٍ من هجيرِ الشمسِ مُستعِرِ
ظلّتْ عناقيدُها يخرجْنُ من ورقٍ ... كما احتبى الزِّنجُ في خضرٍ منَ الأُزُرِ
الناجم:
مُعرشٌ للكرومِ منتشِرٌ ... أوراقُهُ الخضرُ دونَ مرآها
فكلُّ كَرمٍ هوَ السماءُ دجىً ... وكلُّ عنقودةٍ ثُريّاها