للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واحدةٌ لم يُحطْ بقيمتها ... وأختها دونَ قيمةِ الصدفهْ

الندُّ

الندُّ مصنوع كالزجاج غير مخلوق. وهو العود المُطرى بالمسك والعنبر والبان. وفيه وجهان: أحدهما أنه فعل ماض من ندد، مثل مرر فجعلوه اسماً كأنه ندَّ عن جملة الطيب. أي شذَّ وتفرَّق. وقالوا: طيرٌ يناديد وأناديد، أي متفرقة. والوجه الثاني مصدر بمعنى المفعول. وإن شئت جعلته فعَلاً متحركة العين: ندَداً بمعنى مندود به أي مُشهر مُسمع بصفته. يقال: ندَّدت الرجل، أي شهرت به، كالكرع وهو ماء السماء، بمعنى مكروع فيه، وكالجلد بمعنى المجلود، والنَّفض والقبض بمعنى المنفوض والمقبوض. وإن شئت جعلته فعْلاً بتسكين العين بمعنى المفعول؛ تقول: هذا درهم ضرب، أي مضروب، وهذا وزن سبعة، أي موزون سبعة.

[الغالية]

وهي مسك وعنبر يعجنان بالبان. وقيل: إن معاوية بن أبي سفيان شمَّها من عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فوصفها له فقال: هذه غالية. ويقال إن مالك بن أسماء بن خارجة شم من أخته هند بنت أسماء بن خارجة رائحة غالية واستطابها، فقال: علِّميني كيف تعملين طيبك؟ فقالت: لا أفعل هذا. تريد أن تعمله جواريك. هو لك عندي متى ما أردته. ثمَّ قالت: ما تعلمته إلاَّ من شعرك حين وصفته فقلت:

أطيبُ الطيبِ طيبُ أُمِّ أبانٍ ... فأرُ مسكٍ بعنبر مسحوقُ

خلَطتهُ بعودها وببانٍ ... فهو أحوى على اليدينِ سريقُ

ويقال: تغللت بالغالية أي جعلتها في أصول الشَّعر من الغلل وهو الماء الجاري يتغلل في أصول الأشجار. وتغلَّيت طليت بها الجلد من الغَيل وهو الماء يجري على وجه الأرض. ويقال: تضمَّخت بالطيب وتنغَّمت به واغتسلتُ به: جعلته كالغسل. قال الفرزدق:

وإنِّي من قومٍ يكونُ غسولُهم ... قِرى فأرةِ الداريِّ يُضربُ بالغسلِ

قال أبو عبيدة: تلغَّمت المرأة بالطيب إذا جعلته على ملاغمها وهي ما حول الفم. قال الفرزدق:

سقتْها خروقٌ في الملاطمِ لم تكنْ ... عِلاطاً ولا مخبوطةً في الملاغمِ

قال الأصمعي: قالت العرب للمخبَّل: ما شِعرك إلاَّ علاط وخباط.

وقد ارتقنت ورقنت، وتردَّعت، واجتسدت. وتقول: تبخَّرت، واكتبيتُ وتعطَّرت ووجدتُ ريَّا الطيب، وحمَرته، وفوغته، وفغمته. وقد تضوَّع وسطع. وهو النَّشر والأرَج والعرف والبنَّة.

قال الراجز:

ترعى الخُزامى هَنَّةً وهَنَّةً ... في روضةٍ مُعشبةٍ مُغنَّهْ

فهيَ إذا راحتْ عَشِيَّهُنَّهْ ... شممتَ من أرواحهنَّ بَنَّهْ

وأنشد سلمة:

أتاني عنْ أبي أنسٍ وعيدٌ ... ومعصوبٌ به خبَّ الركابُ

وعيدٌ تخدجُ الآرامُ منهُ ... ويكرهُ بنَّةَ الغنمِ الذئابُ

وأنشد:

وإذا الدرُّزانَ حُسنَ وجوهٍ ... كانَ للدرِّ حسنُ وجهكِ زَيْنا

وتزيدينَ أطيبَ الطيبِ طيباً ... إنْ تَمَسّيه أين مثلُكِ أينا

وأخبرني أبو الفرج الأصبهاني بإسناده، وكان عنده راوية ديوان كثيّر أن كثيّراً خرج من عند عبد الملك بن مروان، وعليه مِطرف، فاعترضته عجوز في الطريق اقتبست ناراً في رَوثةٍ، فتأفف كثيّر في وجهها، فقالت: من أنت؟ فقال: كثيّر عزة. فقالت: أنت القائل في عزّة:

فما روضةٌ زهراءُ طيبة الثَّرى ... يمجُّ النَّدى جثجاثها وعَرارها

بأطيبَ من أردانِ عزَّةَ موهناً ... وقدْ أُوقدتْ بالمندلِ الرطب نارُها

فقال كثيّر: نعم. فقالت: لو وُضع المجمر اللَّدن على هذه الرَّوثة لطيَّب رائحتها. هلاّ قلت كما قال امرؤ القيس:

ألمْ ترَياني كلَّما جئتُ طارقاً ... وجدتُ بها طيباً وإنْ لمْ تطيَّبِ

فناولها المطرف، وقال لها: استُري عني هذا.

آخر:

عجبتُ لمن يُطيِّبني بمسكٍ ... وبي يتطيَّبُ المسكُ الفَتيتُ

النامي:

وطيبٍ قد أخلَّ بكل طيبِ ... يُحيّينا برائحةِ الحبيبِ

يظَل الذَّيلُ يستُره ولكنْ ... تنمُّ عليه أزرارُ الجيوبِ

إذا ما شمَّ أنفٌ حنَّ قلبٌ ... كأنَّ الأنفَ جاسوسُ القلوبِ

آخر:

أجِلْ عيْنيك في عيني تراها ... مُشرَّبةً نَدى وردِ الخدودِ

ويقال: صاكَ به الطيبُ، وعبق به، وردع به، وعتك به.

قال:

فبتُّ فيهِ معانِقاً صنَماً ... يرشحُ مِسكاً وعنبراً وعبقا

<<  <   >  >>