أصفراءُ ليس الفتى صخرةً ... ولكنّهُ نُصْبُ حُزْنٍ وهَمْ
أنشد الجاحظ لسلم الخاسر:
تبدَّتْ فقلتُ: الشمسُ عند طلوعِها ... بوجهٍ غَنيِّ اللّونِ عن أَثَر الوَرْسِ
فقلتُ لأَصحابي، وبي مثلُ ما بهم: ... على مِرْيةٍ، ما هاهنا مطلعُ الشمسِ
آخر:
أصفْراءُ كانَ الهَجرُ منكِ مُزاحا ... ليالِيَ كانَ الوُدُّ منكِ مُباحا
وكُنَّ نِساء الحيِّ ما دُمْتِ فيهِمُ ... قِباحاً، فلما غِبْتِ صِرْنَ مِلاحا
وليس يريدون صفرة العلة. وقد بين ذلك أبو تمام:
صفراءُ صُفرةَ صِحَّة قد رَكَّبَت ... جُثمانَها في ثوبِ سُقْمٍ أصفرِ
وقال، وهو من أبيات معانيه:
أَبْقَتْ بني الأَصفرِ المِمْراضِ كأسِهم ... صُفْرَ الوجُوهِ وجَلَّتْ أَوجُهُ العربِ
ولأصحاب المعاني كلام في المقدم ذكره من ذكر الصفرة.
قال أبو عمرو الشيباني في قول الأعشى:
تلكَ خَيْلي منهُ وتِلكَ رِكابي ... هُنَّ صُفْرٌ أَوْلادُها كالزَبيبِ
إن الصفر جمع أصفر وهو الأسود. وأما صفرة العلة فالشعر المتضمنها يدل عليها كقول أبي عبادة:
بَدتْ صُفرةٌ في وجهِهِ إِنَّ حَمدَهم ... مِن الدُرِّ ما اصفرَّتْ نواحيهِ في العِقْدِ
وكقول ابن المعذل:
عِلَّةٌ زَعفرتْ مُعَصْفَرَ خدٍّ ... كانَ من رَيِّهِ يكادُ يَفيضُ
وكقول الآخر:
لم تَشِنْ وجهَهُ المليحَ ولكنْ ... جَعلتْ وَردَ وجنَتَيْه بَهارا
[الباب الخامس عشر]
[التجدير]
محمد بن عبد الرحمن الكوفي:
ومجْدُورٍ سأُسرِفُ في ... هَواهُ أَيَّما سَرَفِ
حَكى الجُدَرِيُّ في خَدَّيْهِ نَقْطَ الحِبْرِ في الصُحُفِ
كأنَّ تَعطُّفَ الزُنّا ... رِ من لينٍ ومن ترَفِ
على حِقْوَيْه فوقَ الخَصرِ مَعقودٌ على أَلِفِ
ابن المعتز:
ما عابَهُ تَجْديرُهُ ... ولا سَلَتْهُ سالِيَهْ
بَلْ نَقَّطَ الحُسنُ سطو ... رَ وجههِ بالغالِيَهْ
الناجم:
يا قمراً جُدِّرَ لمّا اسْتوى ... واكتسبَ المِلحَ بتلكَ الكُلومْ
أظُنُه غنَّى لشمسِ الضُحى ... فنقَّطَتْهُ طَرَباً بالنُجومْ
وهذا المعنى ذكره ابن الرومي في صفة قينة فأبدع فيه:
بِدْعَةُ عِندي كاسْمِها بِدْعهْ ... لا شكَّ في ذاكَ ولا خُدعهْ
كأنّما غَنَّتْ لشمسِ الضُحى ... فأَلْبَسَتْها حُسنَها خِلْعَهْ
آخر:
أَيُّها العائِبونَ وَجْهاً مليحاً ... نثرَ الحُسنُ فيهِ نَبْذَ خُموشِ
أَيُّ أُفْقٍ بَها بِغيرِ نُجومٍ ... أَيُّ ثَوبٍ زَها بغيرِ نُقُوشِ
آخر:
أُعيذُكَ من مُقاساةِ الهُمومِ ... ومن شَكْوايَ في الليلِ البَهيمِ
بِنفسي لحظُ عينكَ حينَ تَرْنو ... بسُقْمٍ فيهِ إِبْرِاءُ السقيمِ
وقالوا: شانَهُ الجُدَريُّ فانظرْ ... إلى وجهٍ بهِ أَثرُ الكُلومِ
فقلتُ: مَلاحَةٌ نُثَرِتَ ْعليه ... وما حُسنُ السماءِ بِلا نُجومِ
الخبزرزي:
جُدَرِيٌّ أَضَرَّ بالوجناتِ ... زادَ حُسَ الوجوهِ حُسنَ الصِفاتِ
نَمْنَمَ الوَشْيُ فوقَ يباجِ وجهٍ ... بِنُقوشٍ في شَكْلهِ شَكِلاتِ
آخر:
وَوَجهٍ فيهِ للجُدَرِيِّ نَثْرٌ ... كما نُثِرَ الحريرُ بِزَعْفرانِ
أُنَزِّهُ مُقلتي في عارِضْيهِ ... فأغْنى بالجِنانِ عن الجَنانِ
التنوخي:
عَبَثَتْ بهِ الحُمىَّ فورَّدَ جسمَهُ ... وَعَكُ الحِمى وتَلَهُّبُ المَحرورِ
وبَدا بِهِ الجُدَرِيُّ فهو كَلُؤلؤٍ ... فوقَ العَقيقِ مُنَضَّدٍ مَسطورِ
وأتاهُ يَنْثُرُهُ فَحاكى عُصْفُراً ... قدْ رُشَّ رَشاً في بياضِ حريرِ
ألآن حاكى البدرَ إذ حاكى لنا ... نَمَشَ البُدورِ مَواقِعُ التجديرِ
فكأنَّهُ ورقُ المَصاحِفِ زانَهُ ... نَقْطٌ وشَكْلٌ في خِلالِ عُشُورِ
[الباب السادس عشر]
[البنان المخضب]
ابن الرومي:
وَقفتْ وَفْقَةً ببابِ الطَّاقِ ... ظَبيةٌ من مُخدَّرات العِراقِ
بِنْتُ عَشْرٍ وأربعٍ وثَلاثٍ ... هيَ حتفُ المُتَيَّمِ المُشتاقِ