للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لهذا، على التشبيهِ، قوةُ زُهرةٍ ... وفي ذا، على التمثيلِ، طَرفُ عُطاردِ

مِنَ الأَنجُمِ اللاَّئي جَرَتْ في بُروجِها ... ولم تَدْرِ ما معنى بُروجِ الفرَاقِدِ

العلوي البصري:

ونَظرةِ عَيْنٍ تعلَّلْتُها ... خِلاساً كما نَظرَ الأَحوَلُ

تَقسَّمتُها بين وجهِ الحبيبِ وطرفِ الرقيبِ متى يغفلُ

آخر:

سَأجْتنِبُ الدارَ الني أَنتمُ بها ... ولكنَّ طَرفي نحوَها سوفَ يعملُ

أرى مُستقيمَ الطرفِ ما الطرفُ أَمَّكُمْ ... فإِن زالَ طرفي عنكُمُ فهو أَحْوَلُ

آخر:

ومُنقَلِبٍ طَرفُهُ فاترٌ ... يُقلِّبُ باللحظ مِنّا القلوبا

فعينٌ تُوهِّمُني مَوْعِداً ... وعينٌ تُشاغِلُ عني الرَقيبا

يُصانِعُ خَصْمينِ في لحظِهِ ... فَلَنْ أَستريبَ ولن يَستَريبا

وابن الرومي قد أبدع في نظر الحبيب، وتأثيره في القلوب ما لم يذكره أحد.

وكرره في مواضع من شعره فقال:

نظرتْ فأَقصدَتِ الفؤادَ بطرفِها ... ثم انْثَنَتْ عَني فكِدْتُ أَهيمُ

وَيْلايَ إِنْ نظرتْ وإن هيَ أَعرضتْ ... وقْعُ السِهام ونزْعُهنَّ أَليمُ

قال وزاد فيه معنى آخر:

لَطَرفُها، وهو مَصْروفٌ، كموقِعِه ... في القلبِ حينَ يَروعُ القلبَ موقِعُهُ

تَصُدُّ بالطرفِ، لا كالسَّهم تَصرِفُه ... عني، ولكنّه كالسَّهمِ تَنْزِعُه

وقال أيضاً:

تَشَكَّى إذا ما أَقْصَدَتْكَ سِهامُها ... وتَشْجى إذا نكَّبْنَ عنكَ وتكمَدُ

إذا نَكَبَتْ عنّا وجدْنا عُدولَها ... كموقِعها في القلب، بل ذاكَ أَجهَدُ

كذلكَ تلكَ النَبْلُ من وقعتْ به ... ومن صُرِفَت عنه من القومُ مقْصَدُ

وقد التزم ابن الرومي في هذه القصيدة فتحة ما قبل حرف الروي تبرعاً، إلا في بيت واحد وهو:

ومَرجوعُ وهّاج المَصابيحِ رِمْدَدُ

وأخبرني أبو عبيد الله المرزباني أن أبا عثمان الناجم أخبره أن ابن الرومي دفع إليه هذه القصيدة وقال: اذهب بها إلى ثعلبكم وأنشده إياها، فما رد من لغتها فلا تلتفت إليه، وما رد من إعرابها فعلم عليه لأرجع فيه. وأنشده رمدد بفتح الدال التي ردفت حرف الروي؛ فلم يرده عليه.

وعند علماء اللغة هو رمدد بكسر الدال الأولى. ولم يأت في العربية ما تكرر فيه حرفان على فعلل إلا رمدد ودردح للناقة المسنة، وقرقس للبعوض. وقال البن السكيت: لم يرد في اللغة فعلل بكسر الفاء وفتح اللام إلا حرفان: درهم وهجرع للطويل. وقد جاء ثالث وهو هبلع للأكول.

قال الشاعر:

فَشَحا جحافِله جِرافٌ هِبْلَعُ

وأبو الحسن الأخفش يقول فيه شيئاً ليس هذا موضعه، وفي هركولة.

وابن الرومي لاقتداره وغزارته يلتزم في القوافي مالا يلزمه. وهو بالفكر والروية سهل. والصعب ما تعمله العرب بديهة وارتجالاً؛ كما أنشده سيبويه.

لا يَبْعَدَنْ قومي الذين هُمُ ... سُمُّ العُداةِ وآفةُ الجُزْرِ

النازِلينَ بكلِّ مُعْتَرَكٍ ... والطيبينَ مَعاقِدَ الأُزْرِ

وهذا المعنى في النظر قد غلب عليه ابن الرومي، كما غلب الطرماح على قوله:

والشمسُ مُعرِضَةٌ تمورُ كأنّها ... تُرسٌ يُقَلِّبُه كَمِيٌّ رامِحُ

وألم به أبو النجم:

فهي على الأُفْق كَعينِ الأَحوَلِ ... صَغْواءَ قد كادتْ ولمَّا تَفعَلِ

وكما غلب بشار على قوله:

وقالوا: قدْ بكيتَ فقلتُ كلاّ ... وهل يَبكي من الطَّرب الجَليدُ

ولكِنْ قد أصابَ سوادَ عيْني ... عُوَيْدُ قَذىً له طَرَفٌ حَديدُ

فقالوا: ما لِدْمعِهما سَواءٌ ... أَكلتا مُقلتيْكَ أصابَ عودُ

وألم به أبو العتاهية فقال:

كمْ مِن صَديقٍ لي أُسا ... رِقُهُ البُكاءَ من الحَياءِ

فإذا تأمَّلَ لامَني ... فأقولُ: ما بي مِن بُكاءِ

لكنْ ذهبتُ لأَرتَدي ... فطَرَفتُ عيني بالرِداءِ

وكما غلب العتبي على قوله:

رأَيْنَ الغواني الشيبَ لاحَ بعارِضي ... فأَعْرضْنَ عني بالخُدودِ النَواضِرِ

وكُنَّ إذا أَبْصَرْنَني أو سَمِعْنَ بي ... سَعَيْنَ فَرقَّعْنَ الكُوى بالمحاجِرِ

وكما غلب أبو نواس على قوله:

<<  <   >  >>