للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر الأزهري أنّ أبا الحسن الدارقطني لما دخل مصر، وأراد قراءة كتاب "النسب" للزبير بن بكار؛ على شيخ علوي يقال له: مُسَلَّم بن عبيد الله وكان أحد الموصوفين بالفصاحة، المطبوعين علي العربيّة اجتمع إليه من كان فيها من أهل العلم والأدب والفضل، فحرصوا على أنّ يحفظوا على أبي الحسن لحنه، أو يظفروا منه بسقطة، فلم يقدروا على ذلك، حتّى جعل مسَلَّم يعجب، ويقول له: وعربيّة أيضًا (١). وقال المُعيطي الأديب: يا أبا الحسن أنت أجرًا من خاصي الأسد، تقرأ مثل هذا الكتاب مع ما فيه من الشعر والأدب، فلا يؤخذ عليك فيه لحنة (٢).

وكان - رحمه الله -أيضًا- موصوفًا بشدة الذكاء، فقد قال الأزهري: كان الدارقطني ذكيًّا، إذا ذوكر شيئًا من العلم -أيَّ نوع كان- وُجِدَ عنده منه نصيب وافر (٣).

وموصوفًا كذلك بشدة الحافظة، فقد روي أنّه حضر في حداثته مجلس الصفَّار، فجلس ينسخ جزءًا كان معه، وإسماعيل الصفار يملي، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فقال له الدارقطني: فهمي للإملاء خلاف فهمك، ثمّ قال: تحفظ كما أملى الشّيخ من حديث إلى الآن؟ فقال: لا. فقال الدارقطني: أملى ثمانية عشر حديثًا فعُدَّت الأحاديث، فوجدت كما قال. ثمّ قال أبو الحسن: الحديث الأوّل منها عن فلان، عن فلان، ومتنه كذا، والحديث الثّاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا، ولم يزل يذكر أسانيد الأحاديث ومتونها على ترتيبها في الإملاء حتّى أنّ على آخرها، فتعجب النَّاس منه (٤).


(١) تاريخ بغداد (١٢/ ٣٥).
(٢) معرفة القراء (٢/ ٦٧٠).
(٣) تاريخ بغداد (١٢/ ٣٦).
(٤) أخرجها الخطيب في "تاريخه" (١٢/ ٣٦ - ٣٧) وهي حكايته منقطعة بين الأزهري والدارقطني، انظر التأصيل (ص ٧٩)، وحاشية "المقنع" للجديع (١/ ٣٠٨) إِلَّا أنّ السخاوي قال في "فتح المغيث" (٢/ ١٩٥): سمعت شيخنا يحكي عن بعضهم أنّه كان يقرنها بما وقع للبخاري، حيث قلبت عليه الأحاديث، ويتعجب شيخنا من ذلك وهو ظاهر في التعجب. اهـ.

<<  <   >  >>