بَغْدَاد لا يموت أحد منهم إِلَّا أوصى لي بجزء من ماله، وسمعته يقول: كتبت بخطي من كتب الفقه والحديث نحو ثلاثة آلاف جزء، ولم يكن لي شغل إِلَّا العلم، ولي بجامع المنصور ببَغْدَاد ستون سَنَة أدرِّس النَّاس، وأفتيهم، وأعلمهم سَنَّة نبيهم محَمَّد - صلّى الله عليه وسلم - وقرأت مختصر ابن الحكم خمسمائة مرّة، والأسدية خمسًا وسبعين مرّة، والموطَّأ كذلك، والمبسوط ثلاثين مرّة، ومختصر ابن البرقي سبعين مرّة. وقال الخليلي في "الإرشاد": كان إمام وقته عند المالكية في الفقه والحديث ومعاني القرآن والنحو واللُّغة، سمعت محَمَّد بن أحْمَد بن زيد المالكي يقول: لم أر مثل أبي بكر الأجيري الصالحي دينًا وديانة وعلمًا عرض عليه قضاء العراق فأبى ولم يقبله، وكان يتزهد. وقال أبو الحسن يحيى بن علي القرشي: إنّه أحد الفقهاء الأئمة المشهورين والعلّماء المحدِّثين، والثقات المأمونين، مع ما جبل عليه من الورع والديانة والفقه والصيانة، ارتحل في طلب العلم إلى العراق، والشام، ومصر. وقال الخَطِيب: له تصانيف في شرح مذهب مالك بن أنس، والاحتجاج له والرد على من خالفه، وكان إمام أصحابه في وقته. وقال الشيرازي: جمع بين القراءات وعلو الإسناد، والفقه الجيد، وشرح مختصر أبي عبد الله بن عبد الحكم، وانتشر عنه مذهب مالك في البلاد. وقال القاضي عياض: كان الأجيري أحد أئمة القرآن، والمتصدرين لذلك، والعارفين بوجوه القراءة وتجود التلاوة ... ولم ينجب أحد بالعراق من الأصحاب بعد إسماعيل القاضي ما أنجب أبو بكر الأجيري، كما أنّه لا قرين لهما في المذهب بقطر من الأقطار إِلَّا سحنون بن سعيد في طبقته.
ولد سَنَة تسع وثمانين ومائتين، ومات لسبع خلون من شوال سَنَة خمس وسبعين وثلاثمائة.
قلت:[أحد الأئمة المشاهير في الفقه والحديث والديانة والمكارم].