للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى أضعفهم، واحتل الصليبيون قسمًا من بلادهم، وطمعوا في المزيد، واستعانوا ببعضهم على بعض، حتى أوشكوا أن يحتلوا مصر، فكر حاكم مصر الفاطمي آنذاك المدعو "العاضد لدين الله " أن يستعين بوالي الشام "نور الدين زنكي "، ولكنْ كيف وملك الشام لا يعترف بالخليفة الفاطمي في مصر، ولا يؤمن بشرعية خلافته، وحكمه إنما يدين بالاعتراف للخلافة العباسية في بغداد، وبينها وبين الفاطميين أشد الخصام؟

لقد وجد الحل بواسطة المرأة والغيرة على كرامتها، وهكذا أرسل العاضد إلى نور الدين زنكي رسالة استنجاد أرفقها بأبلغ نداء: أرفقها بخصلة من شعور نساء بيت خلافته في القاهرة، وكان أن بلغ التأثير مداه في قلب نور الدين، فسرت حمية الغيرة والنخوة قي جند الشام وأهله، فبذلوا- لإنقاذ مصر من الصليبيين- فلذات أكبادهم بقيادة أسد الدين شيركوه، ويوسف بن أيوب "صلاح الدين الأيوبي".

وهكذا صنعت المرأة بخَصلة شعرها حدثًا غيَّر مجرى التاريخ، وقلب الأحداث رأسا على عقب، إلى أن كان يوم حطين الذي غسل الأرض المقدسة من العار، وأرغم جحافل الصليبيين على حمل عصا الرحيل والتسيار) (١) .

إن حياة الغيرة التي يحياها المجتمع المسلم، والتي يسموا بها فوق النجوم رفعة، ويرتقي بها إلى أعلى المنازل فضلًا وطهرا، يقابلها في المجتمعات الكافرة قي الشرق والغرب حياة الدياثة (٢) والخباثة، والقذارة والحقارة، واللوثة والنجاسة، والذلة والمهانة، التي قد تترفع عنها بعض الحيوانات حيث تغار فحولها على إناثها، ويقاتل الفحل دون أنثاه كل فحل يعرض لها حتى تصير إلى الغالب، وتأمل معي القصة التالية:


(١) "ماذا عن المرأة؟ " ص (٢٥- ٢٦) ، وانظر: "البداية والنهاية" (١٢/ ٢٥٥) .
(٢) راجع "المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية" ص (٤٦- ٤٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>