للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال- عفا الله عنه- في تفسيره:

ومعنى (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن، يقال إذا زل الثوب عن وجه المرأة أدني ثوبك على وجهك، وذلك أن النساء كن في أول الإسلام على هجّيراهن في الجاهلية متبذلات تبرز المرأة في درع وخمار، لا فصل بين الحرة والأمة، وكان الفتيان وأهل الشطارة (١) يتعرضون إذا خرجن بالليل إلى مقاضي حوائجهن في النخيل والغيطان للإماء، وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة، يقولون: حسبناها أمة، فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بلبس الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه ليُحتَشَمن ويُهَبن، فلا يطمع فيهن طامع، وذلك في قوله: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) أي: أولى وأجدر بأن يعرفن فلا يُتعرض لهن، ولا يَلْقَين ما يكرهن.

فإن قلت: ما معنى (مِن) في (مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) ؟

قلت: هو للتبعيض، إلا أن معنى التبعيض محتمل وجهين:

أحدهما: أن يتجلببن ببعض ما لهن من الجلابيب، والمراد أن لا تكون الحرة متبذلة في درع وخمار كالأمة والماهنة، ولها جلبابان فصاعدًا في بيتها.

والثاني: أن ترخي المرأة بعض جلبابها وفضله كل وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة.


= النقاب عن وجوه إعجاز القرآن الكريم، وأبدع في بيان نكتها ما شاء الله أن يبدع، حتى عُدَّ كل من كتب في التفسير بعده - من الناحية البلاغية - عالة عليه، غير أنه انتُقدَ عليه أشياء، أشدها محاولته تطبيق آيات القرآن على مذهبه الاعتزالي، ووقوعه في أهل السنة والجماعة بعبارات فاحشة، وقد انتصر لأهل السنة الشيخ أحمد بن محمد بن منصور المنير الإسكندري المالكي (ت ٦٨٠ هـ) وتعقب اعتزاليات الزمخشري تعقبا حثيثا في كتابه "الانتصاف"
(١) الشاطر: من أعيى أهله ومؤدبه خبثا ومكرًا - مولدة، كما في القاموس وشرحه.

<<  <  ج: ص:  >  >>