وهذه الآية الكريمة تستدعي التأمل وإدارة الفكر من وجوه:
الأول: أن الله تعالى لم يقل: "يتجلببن" وإنما قال: (يُدْنِينَ) ومعلوم أن الإدناء ليس هو نفس التجلبب، بل هو أمر زائد على التجلبب، فلا يحصل الامتثال بهذا الأمر بمجرد التجلبب، بل لابد من الإِتيان بقدر زائد عليه يصح أن يطلق عليه كلمة الإِدناء.
الثاني: أن الإِدناء لا يطلق على لبس الثياب، ثم إنه لا يتعدى بعلى، بل يتعدى باللام، ومِن، وإلى فتعديته هنا بعلى لتضمينه معنى فعل آخر، وهو الإِرخاء، والإِرخاء يكون من فوق، فالمعنى: يرخين شيئا من جلابيبهن من فوق رؤوسهن على وجوههن.
أما قولنا: على وجوههن، فلأن الجلباب لابد أن يقع على عضو عند الإِرخاء، ومعلوم بالبداهة أن ذلك العضو لا يكون إلا الوجه وأما أن يكون على الجبهة فقط فمعلوم أن هذا القدر القليل من عطف الثوب لا يسمى إِرخاء، ويؤيد هذا المعنى - أي: أن المراد بالإِدناء هو الإِرخاء، لا مجرد، التجلبب - أيضًا، أن الله أتى بكلمة (مِن) التبعيضية قبل الجلابيب، فمقتضاه أن الإِدناء يكون بجزء من الجلباب مع أن التجلبب يطلق على مجموع هيئة لبسه.
الثالث: أن الضمير في (يُدْنِينَ) يرجع إلى ثلاث طوائف جمعاء: إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وإلى بناته، وإلى نساء المؤمنين، وقد أجمعوا على أن ستر الوجه والكفين كان واجبا على أزواجه صلى الله عليه وسلم، فإذا دل هذا الفعل على وجوب ستر الوجه والكفين في حق طائفة منها؛ فلم لا يدل نفس ذلك الفعل على نفس ذلك الوجوب في حق طائفتين أخريين؟!
الرابع: أن الله أمر أمهات المؤمنين بالتستر الكامل في آية الحجاب، ولم يستثن عضوًا من عضو، فلو كان المراد بإدناء الجلباب مجرد تغطية الرأس