أمره تعالى للوجوب، وأن الله أوجب ذلك لإقامة التمييز بين الحرة والأمة، فلا يمكن صرفه عن الوجوب إلى الاستحباب، وإلا يفوت الغرض المطلوب والهدف المنشود، فهل يا ترى أنهم تناقضوا أنفسهم فقالوا بوجوب ستر الوجه، وقالوا بجواز كشفها مطلقَا؟ لا، بل يستأنس من قول ابن عباس أنه يرى جواز الكشف لأجِل الضرورة، فقد روى ابن جرير عنه في قوله:(وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) ؛ قال: والزينة الظاهرة: الوجه، وكحل العين، وخضاب الكف، والخاتم، فهذا تظهره في بيتها لمن دخل من الناس عليها "تفسير ابن جرير"(١٨/٨٣، ٨٤) .
فابن عباس لا يفتي بجواز كشف الوجه واليدين مطلقًا، وإنما يفتي بجواز كشفهما عند من دخل عليها في البيت، ثم المراد بالداخلين في البيت إما أن يكون حق أقاربها من ليس بمحرم لها، مثل أبناء عمها وعمتها وخالها وخالتها ومثل أحمائها، فإن هؤلاء يكثر دخولهم في البيت، فابن عباس يرى في التستر عنهم مشقة وحرجا، ويستنبط جواز كشف الوجه والكفين أمامهم من قوله:(إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) فكأن المرأة ليست هي التي أبدت الزينة أمامهم بل المشقة هي التي أظهرتها، وإما أن يكون المراد بالداخل في البيت كل من دخل في البيت مطلقَا بعد الإذن، وبالجملة فتقييد الجواز بالبيت يفيد أن ابن عباس يرى اشتغال المرأة بمهنتها في بيتها، من الحوائج التي تبيح لها كشف الوجه أما الأجانب، فهو يرى الجواز في حالة خاصة، وهو ينبئ عن
عدم الجواز في عامة الأحوال، فانظر أين قوله هذا من الذين يميلون إلى السفور، ويزعمون أن ابن عباس هو إمامهم في هذا (١) اهـ.
* أما العلامة القرآني محمد الأمين الشنقيطي فقد قال بعد أن ذكر ما أثر عن السلف في تفسير قوله تعالى:(إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) :