للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أطرافها، فأمره الشارع حينئدِ بصرف بصره عنها كما في حديث جرير

ابن عبد الله رضي الله عنه، قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري) (١) فهذا هو موقع نظر الفجأة.

وفي سؤال جرير عن نظر الفجأة دليل على مشروعية استتار النساء عن

الرجال الأجانب وتغطية وجوههن عنهم، وإلا لكان سؤاله عن نظر الفجأة لغوًا لا معنى له، ولا فائدة من ذكره.

الثالث: عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الحج في آخر حجة حجها، وبعث معهن

عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه،

قال: فكان عثمان ينادي: ألا لا يدنوا إليهن أحد، ولا ينظر إليهن أحد، وهن في الهوادجِ على الإبل، فإذا نزلن أنزلهن بصدر الشِّعب، وكان عثمان وعبد الرحمن بذنَب الشعب، فلم يصعد إليهن أحد (٢) .

ومن المقطوع به أن أمهات المؤمنين كن يحتجبن حجابًا شاملا جميع

البدن بغير استثناء، ومع هذا قال عثمان رضي الله عنه: "ولا ينظر إليهن أحد"

يعني إلى شخوصهن لا إلى وجوههن لأنها مستورة بالإجماع، ومع ذلك نهى

عن النظر إلى شخوصهن تعظيمًا لحرمتهن، وإكبارًا وإجلالًا لهن، وذلك

لشدة احترام الصحابة رضوان الله عليهم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن. ويستفاد من هذا أن مِنْ حِفظ حرمة المؤمنة المحجبة غضَّ البصر عنها -

وإن تنقبت -، خاصة وأن جمالها قد يعرف، وينظر إليها -لجمالها وهي

مختمرة، وذلك لمعرفة قوامها أو نحوه، وقد يعرف وضاءتها وحسنها من مجرد رؤية بنانها كما هو معلوم، ولذلك فسَّر ابن مسعود رضي الله عنه قوله تعالى:

(وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) بأن الزينة هى الملاءة فوق


(١) تقدم تخريجه (ص ٤٧)
(٢) أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٨/١٥٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>