للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثياب، ومما يوضح أن الحسن قد يعرف مع الاحتجاب الكامل قول الشاعر:

طافَتْ أُمامَةُ بالركبانِ آونَةً ... يا حُسْنَها مِن قوام ما وَمنْتَقِبا

فقد بالغ في وصف حسن قوامها مع أن العادة كونه مستورًا بالثياب لا منكشفا، وهو يصفها بهذا الحسن أيضا مع كونها منتقبة.

ومن ثم قال العلماء: إنه لا يجوز للرجل أن ينظر إلى بدن المرأة نظر شهوة ولو كانت مستورة، لأن ذلك مدعاة إلى الافتتان بها كما لا يخفى،

ووقوعه فيما سماه النبي صلى الله عليه وسلم: "زنا العين"، قال صلى الله عليه وسلم: "والعينان تزنيان، وزناهما النظر" (١) .

ولا مخرج من ذلك إلا غض البصر عنها ولو كانت محجبة، لأنه إذا نظر إليها نظر شهوة - ولو كانت محجبة - لكان حرامًا عليه كما تقدم.

الرابع: أنه قد تعرض للمرأة المحجبة ضرورات بل حاجات تدعوها إلى

كشف وجهها، ويرخص لها في ذلك مثل نظر القاضي إلى المرأة عند الشهادة، والنظر إلى المرأة المشتبه فيها عند تحقيق الجرائم، ونظر الطبيب

المعالج إلى المرأة بشروطه، والنظر إلى المراد خطبتها، وهذا كله يكون بقدر

الحاجة فقط لا يجوز له أن يتعداها، فإن دعته نفسه إلى الزيادة عن قدر

الحاجة فهو مأمور بغض البصر عنها، والله أعلم.

الخامس: أن اعتبار أمر الله تعالى المؤمنين بغض الأبصار دليلا على أن

وجوه المسلمات كانت مكشوفة للأجانب مجرد وهم وظن، بدليل ترتيب

آيات الحجاب حسب نزولها، وذلك لأن الأمر بالحجاب الكامل الذي جاء في قوله عز وجل: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) الآية [الأحزاب: ٣٣] .

وقوله سبحانه وتعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ


(١) رواه مسلم في صحيحه، انظر "شرح النووي" (٦/ ٢٠٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>