أولا: تقرر عند أهل العلم أن "الحكم الشرعي" لا يتبدل مهما تبدلت
الأزمان، وتغيرت الأعراف اللهم إلا عن طريق النسخ، وقد أُغْلِق بابُه بعد تكامل هذا الشرع الحنيف بانتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى. وقاعدة "تبدل الأحكام بتبدل الأزمان" مبنية على قاعدة فقهية أخرى وهي أن "العادة مُحَكَّمة" أي أن عرف الناس مُحَكَّم في الأحكام الشرعية، وقد فهم القوم من ذلك أنه مادامت أعرافهم متطورة بتطور الأزمان؛ فلابد أن تكون الأحكام الشرعية كذلك.
ولا ريب أن هذا الكلام إذا كان مقبولا على ظاهره، لاقتضى أن يكون مصير شرعية الأحكام كلها رهنًا بيد عادات الناس وأعرافهم، وهذا لا يمكن أن يقول به مسلم، لكن تحقيق المراد من هذه القاعدة:
أن ما تعارف عليه الناس، وأصبح عرفًا لهم:
(١) إما أن يكون هو بعينه حكما شرعيّا أيضا، بأن أوجده الشرع، أو كان موجودًا فيهم فدعا إليه وأكَّده، مثال ذلك: الطهارة عند النجس والحدث عند القيام إلى الصلاة، وستر العورة فيها، وحجب المرأة زينتها عن الأجانب، والقصاص في الجنايات، والحدود في الزنا والسرقة والخمر وما شابه ذلك، فهذه كلها أمور تعَدُّ من أعراف المسلمين وعاداتهم، وهي في نفس الوقت أحكام شرعية يستوجب فعلها الثواب، وتركها العقابَ؛ سواء منها ما كان متعارفًا قبل الإسلام ثم جاء الحكم الشرعي مؤيدا ومحسِّنًا له، كحكم القسامة والدية والطواف بالبيت، وما كان غير معروف قبل ذلك وإنما أوجده الإسلام نفسه كأحكام الطهارة