فهذه الصورة من الأعراف لا يجوز أن يدخلها التبديل والتغيير مهما تبدلت الأزمنة، وتطورت العادات والأحوال، لأنها بحد ذاتها أحكام شرعية ثبتت بأدلة باقية ما بقيت الدنيا، وليست هذه الصورة هي المعنية بقول الفقهاء:"العادة محَكمة".
(٢) وإما أن لا يكون حكما شرعيًا، ولكن تعلق به الحكم الشرعي بأن كان مناطًا له، مثال ذلك: ما يتعارفه الناس من وسائل التعبير وأساليب الخطاب والكلام، وما يتواضعون عليه من الأعمال المخلة بالمروءة، والآداب، وما تفرضه سنة الخلق والحياة في الإنسان مما لا دخل للإرادة والتكليف فيه كاختلاف عادات الأقطار في سن البلوغ، وفترة الحيض والنفاس.
فهذه الأمثلة أمور ليست بحد ذاتها أحكامًا شرعية كالأمثلة السابقة في النوع الأول، ولكنها متعلق ومناط لها، وهذه الصورة من العرف هي المقصودة من قول الفقهاء (العادة مُحَكَمة) ، فالأحكام المبنية على العرف والعادة هي التي تتغير بتغير العادة، وهنا فقط يصح أن يقال:(لا يُنكَر تبدلُ الأحكام بتبدل الأزمان) ، وهذا لا يعد نسخا للشريعة، لأن الحكم باق، وإنما لم تتوافر له شروط التطبيق، فطُبِّق غيره، يوضحه أن العادة إذا تغيرت فمعنى ذلك أن حالة جديدة قد طرأت تستلزم تطبيق حكم آخر، أو: أن الحكم الأصلي باقٍ، ولكن تغير العادة استلزم توافر شروط معينة لتطبيقه.
مثال ذلك: "ما ذهب إليه أبو حنيفة من الاكتفاء بالعدالة الظاهرة، فلم يشترط تزكية الشهود فيما عدا الحدود والقصاص لغلبة الصلاح على الناس وتعاملهم بالصدق، ولكن لما كثر الكذب في زمان أبي يوسف ومحمد صار في الأخذ بظاهر العدالة مفسدة وضياع للحقوق، فقالا بلزوم تزكية الشهود، وقال الفقهاء عن هذا الاختلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه: