للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"إنه اختلاف عصر وزمان، لا اختلاف حجة وبرهان"، ومثله أيضا سقوط خيار الرؤية برؤية ظاهر البيت وبعض حُجَرِه، وهذا ما أفتى به أئمة الحنفية لأن الحُجَر كانت تبنى على نمط واحد، ولكن لما تغيرت عادة الناس في البناء أفتى متأخروهم بعدم سقوط خيار الرؤية إلا برؤية جميع حجر البيت" (١) اهـ.

وإذا تحرر المعنى المراد من قولهم: "العادة محكمة"، علمت أنها لا تستلزم تغيير الأحكام بتغير الأزمان، وعندئذ يصبح قول من قال: (تتبدل الأحكام بتبدل الأزمان) إما كلامًا باطلًا لا صحة له إن حمل على ظاهره كما قد يفهمه كثير من الناس، وإما كلامَا متجوزا فيه محمولا على غير ظاهره، وذلك بأن يقصد به الأحكام المرتبطة من أصلها بما قد يتبدل ويتغير من أعراف الناس ومصالحهم التي لم يُقْضَ فيها بحكم مبرم، كتلك الأمثلة التي مر ذكرها، ولكن ينبغي أن يعلم أن دوران تلك الأحكام مع مناطاتها لا يمكن أن يعتبر تبدلًا أو تغييرًا حقيقيًّا لها، بل هذا الذي يظهر في مظهر التغيير منه إنما هو ممارسة حقيقية له كما مر بيانه (٢) .

بيان علاقة هذه القاعدة بأحكام الحجاب

مما تقدم يتضح أنه لا يصح احتجاج أعداء الحجاب بهذه القاعدة على استباحة التبرج الذي حَرمه الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وهذه القاعدة ونظائرها هي كل ما يحفظه أولئك المفتونون بالحياة الغربية من قواعد الشريعة الإسلامية وأصولها، وإنما يتعلقون بها في مجال التخفيف والتسهيل والسير مع مقتضيات التحلل من الواجبات فقط، ولكنهم يتناسون هذه القاعدة تماما عندما يقتضيهم الأمر عكس ذلك.


(١) "الوجيز في أصول الفقه" ص٢٥٨ - ٢٥٩، وانظر: "الموافقات" (٢/ ٢٨٣ - ٢٨٤، و"الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص ٨٣ - ٨٤) .
(٢) "ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية" (ص٢٩١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>