للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل نستطيع أن نقول أيضا إنه لا يصح احتجاج من يبيح السفور اعتمادا على نفس القاعدة، لأنه لا يستطيع منصف ناصح للأمة - ممن يرى إباحة كشف وجه المرأة - أن يعثر على مثالٍ تتجلى فيه ضرورة تبدل الأحكام بتبدل الأزمان؛ مثل ضرورة القول بوجوب ستر المرأة وجهها عن الأجانب عنها، نظرًا لمقتضيات الزمان الذي نعيشه، ونظرا لما تكاثر فيه من المنزلقات التي تستوجب مزيدَا من الحذر في السير، والتبصر بمواقع الأقدام، ريثما يهيئ الله عز وجل للمسلمين مجتمعهم الإسلامي المنشود. وهذا نفس ما قرره العلماء اعتمادَا على التطبيق الصحيح لهذه القاعدة:

قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى، وعفا عنه:

"وكان قد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء في حضور المسجد، والصواب الآن المنع، إلا العجائز، بل استُصْوِبَ ذلك في زمان الصحابة، حتى قالت عائشة رضي الله عنها: "لو علم النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدثت النساء بعده لمنعهن عن الخروج ولما قال ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله فقال بعض ولده: "بلى والله لنمنعهن" فضربه، وغضب عليه، وقال: تسمعني أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا" فتقول: بلى، وإنما استجرأ على المخالفة لعلمه بتغير الزمان، وإنما غضب عليه لإطلاقه اللفظ بالمخالفة ظاهرا من غير إظهار العذر" (١) .

وجاء في "المنتقى": "تمنع الشابة عن كشف وجهها لئلا يؤدي إلى الفتنة،

وفي زماننا المنع واجب، بل فرضٌ لغلبة الفساد" (٢) اهـ.

وقد شرط المالكية، والحنفية، وبعض الشافعية (٣) لجواز كشف المرأة


(١) "إحياء علوم الدين" (١/٧٢٨) .
(٢) نقله في "اللباس والزينة في الشريعة الإسلامية" ص (١٤١) .
(٣) انظر: "أحكام القرآن" لأبي بكر بن العربي (٣/ ١٣٥٧) ، و"أحكام القرآن" للجصاص (٣/٢٨٩) و "الدر المختار) في باب الحظر والإباحة من "حاشية ابن
عابدين" (٥/٢٤٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>