للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد عمد المروجون لهذه الشبهة إلى التاريخ وكتب التراجم، يفتشون في طولها وعرضها، وينقبون فيها بحثا عن مثل هؤلاء النساء، حتى ظفروا بضالتهم المنشودة، ودرتهم المفقودة، فالتقطوا أسماء عدد من النساء لم يكنَّ يبالين- فيما نقلته الأخبار عنهن- أن يظهرن سافرات أمام الرجال، واْن يلتقين معهم في ندوات أدبية وعلمية دونما تحرز أو تحرج.

* وجواب هذا من وجوه:

الأول: أن نسألهم: قد علمنا الأدلة الشرعية التي عليها تبنى الأحكام

من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، فضمن أي مصدر من مصادر التشريع تندرج مثل هذه الأخبار، خاصة وأن أغلبها وقع بعد زمن التشريع وانقطاع الوحي؟

الثاني: فإذا علم أن حكم الإسلام إنما يؤخذ من نص ثابت كتاب الله تعالى، أو حديث صحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قياس صحيح عليهما، أو إجماع التقى عليه أئمة المسلمين وعلماؤهم، لم يصح حينئذ الاستدلال بالتصرفات الفردية عن آحاد الناس، أو ما يسميه الأصوليون بـ "وقائع الأحوال" (١) .

فإذا كانت هذه الوقائع الفردية من آحاد الناس لا تعتبر دليلا شرعيًّا


(١) وقائع الأحوال، وقضايا الأعيان هي عبارة عن مواقف فردية وقعت في عصر التشريع، على خلاف مقتضى أدلة العموم، كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بردة وقد أراد أن يضحي بعناق: "تجزئك، ولا تجزئ أحدًا بعدك" وكاعتباره شهادة خزيمة بمنزلة شاهدين، فهذه وأمثالها لا يقام عليها أحكام عامة، لأنها وردت متأثرة بأسباب استثنائية خاصة، فبقيت محصورة في نطاق الحال الذي ظهرت فيه، ولم يجز أن يمتد لها ذيل من التشريع العام المتجاوز لطبيعة تلك الحال، ومن أبرز قرائن وقائع الأحوال أنها تأتي معارضة لعموم حكم كلي لا شبهة فيه من أجل سبب استثنائي لو نقبت عنه لاكتشفته.

<<  <  ج: ص:  >  >>