للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله سبحانه: (ويجعلون) أي يعتقدون أن (لله البناتِ) الإناث، وذلك أن خزاعة وكنانة كانوا يقولون: الملائكة بنات الله؟ بينه تعالى بقوله: (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا) الآية، مع أن الإناث التي جعلوها لله يكرهونها لأنفسهم، ويأنفون منها كما قال تعالى: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مُسْوَدًّا) أي لأن شدة الحزن والكآبة تُسَوِّدُ لون الوجه (وهو كظيم) أي: ممتلئ حزنا وهو ساكت، وقيل: ممتلئ غيطا على امرأته التي ولدت له الأنثى (١١٨) (يتوارى من القوم من سوء ما بشر به) أي يختفي من أصحابه من أجل سوء ما بشر به لئلا يروا ما هو فيه من الحزن والكآبة، أو: لئلا يشمتوا به ويعيروه، ويحدث نفسه، وينظر: (أيمسكه) أي ما بشر به وهو الأنثى (على هُون) أي هوان وذل (أم يدسه في التراب) أي يدفن المذكور الذي هو الأنثى حيا في التراب، وهو ما كانوا يفعلون بالبنات من الوأد. قال العلامة القرآني محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى: (وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من بغضهم للبنات مشهور معروف في أشعارهم، ولما خطبت إلى عقيل بن علفة المرى ابنته " الجرباء" قال:

وإني وإن سيق إلى المهرُ ... ألف وعُبدان وذَوْدٌ (١١٩) عَشْرُ

أحب أصهاري إلي القبرُ

ويروى لعبد الله بن طاهر قوله:

لِكُل أبي بِنْتٍ يُراعِى شئونَها ... ثلاثةُ أصهارٍ إذا حُمِدَ الصِّهْرُ

فَبَعْلٌ يُراعِيها، وخِدْر يُكِنها ... وقبر يُوارِيها، وخيرُهم القبرُ


(١١٨) وانظر: " الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١٦/ ٧٠- ٧١) .
(١١٩) "في القرطبي": (وخُورٌ عشر) اهـ. (١٠/١١٨) ، جمع خوارة- على غير قياس، وهو الناقة الغزيرة اللبن.

<<  <  ج: ص:  >  >>