للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمعتم، المؤمنون يَد على من سواهم، يجير علَيهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت " (١٩٠) ، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله دخلت عليه زينب فسألته أن يرد على أبي العاص ما أخِذَ منه ففعل (١٩١) .

أما كرامة سيرتها، وصيانة اسمها، فذلك ما لا نحسب شريعة من الشرائع حاطتهما بمثل حياطة الإسلام لهما، وحسبك أن الله سبحانه وتعالى اشتد في كتابه الكريم على قاذفي النساء في أعراضهن بأشد مما اشتد على القتلة وقطاع الطريق، فقد قال الله سبحانه في سورة النور: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) النور (٤) .

فجعل سبحانه للقاذف عقوبة ثمانين جلدة، ثم دعم هذه العقوبة بأخرى أشد وأخزى وهي اتهامه أبد الدهر في ذمته، واطراح شهادته، فلا تقبل له شهادة أبدا، ثم وَسَمه بعد ذلك بسمة هي شر الثلاثة جميعا، وهي سمة الفسق، ووصمة الفجور.

لم يكن كل ذلك عقاب أولئك الأثمة الجناة، فقد عاود الله أمرهم بعد ذلك بما هو أشد وأهول من تمزيق ألسنتهم فقال: (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لُعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين) النور (٢٣) وإن في حديث الإفك، وما أفاض الله في شأنه لموعظة وذكرى لقوم يعقلون.


(١٩٠) "السيرة" لابن هشام (١/٦٥٣ - ٦٥٩) ، والحاكم (٣/٢٣٦ - ٢٣٧) .
(١٩١) وقد عاد أبو العاص بحد ذلك إلى مكة، فأدى الحقوق إلى أهلها، ثم آب إلى المدينة مسلما، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجه رضي الله عنها، وانظر: " سير أعلام النبلاء" (١/ ٣٣٢ - ٣٣٤) ، "الإصابة" (٧/٢٤٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>