للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجل أو المرأة، " يا لَفلان"، فتعقد الألوية، وتجاش الجيوش، وتنتضي السيوف، وتخاض الدماء، إن ظالمًا وإن مظلومًا.

وهل طوى قلب على أشد وأهول مما طوى عليه قلب هند ابنة عتبة، من سموم الموجدة، ونيران العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وآل بيته؟ فهم الذين قتلوا آلها يوم بدر، واستقادوا زوجها يوم زحفهم على مكة، وهي التي أهدر نبي الله صلى الله عليه وسلم دمها يوم فتح مكة جزاء تمثيلها بجثمان عمه حمزة يوم أحد، وكانت بقرت بطنه بعد مصرعه، وأخرجت كبده، فلاكتها، ثم لفظتها، وتلك شر نزعات الجاهلية، رُوي أن هندًا جاءت تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى مقنعة، فقالت: "يا رسول الله الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه، لتنفعني رَحِمُك، يا محمد أني امرأة مؤمنة بالله، مصدقة برسوله " (٥٢٧) ، ثم كشفت عن نقابها، فقالت: " أنا هند بنت عتبة"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مرحبًا بك"، فقالت: "والله ما كان على الأرض أهل خباء أحب إليَّ من أن يذلوا من خبائك، ولقد أصبحت وما على الأرض أهل خباء أحب إليَّ من أن يعزوا من خبائك) (٢٧٦) .

ففي سبيل الله، وفي سبيل دينه، ما غسل الدم، وزالت الوحشة، وأتلفت نوافر القلوب.

وكما أن الله طهَّر نفس المرأة من الحقد، وأبرأ قلبها من قرحة الغل، كذلك حسر عن عقلها حجاب الجهل، ونزع عن إدراكها غشاء الأباطيل، فلم تخضع لعقيدة فاسدة، ولم ترضخ لوهم مُمَوَّه، وعلمت أن الله قد أسدل


= جاء في النهي عن ضرب الخدود، وشق الجيوب عند المصيبة، والنسائي (٤/٢٠) في الجنائز: باب ضرب الخدود.
(٢٧٥) وروي أنها لما أسلمت، جعلت تضرب صنمًا لها في بيتها بالقدوم حتى فَلَذَتهُ فلذة فلذة، وتقول: " كنا معك في غرور، من "الإصابة" (٨/١٥٦) .
(٢٧٦) "الطبقات الكبرى" لابن سعد (٧/ ١٧١-١٧٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>