للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا حضرتها فقلَّ أن تستطيع البقاء إلى أن تشهد جريمة القتل بعينيها، وتظل رابطة الجأش، بل الغالب أنها إذا لم تستطع الفرار تلك الساعة فما يكون منها إلا أن تُغمض عينيها، وتولول، وتصرخ، وقد يغمي عليها، فكيف يمكن بعد ذلك أن تتمكن من أداء الشهادة، فتصف الجريمة والمجرمين وأداة الجريمة وكيفية وقوعها، قال الحافظ العراقي رحمه الله: (إن الرجال هم الذين يُبتلون بالشدائد والمحن، ويظهر فيهم ثمرة الفتن، بخلاف النساء فإنهن محجوبات في الأغلب، لا يصلين نار الفتن، قال الشاعر:

كُتِبَ القتلُ والقتالُ علينا ... وعلى الغانيات جَرُّ الذيولِ) (٣٠٥)

ومن المسلَّم به أن الحدود تُدْرَأ بالشبهات، وشهادتها في القتل وأشباهه تحيط بها الشبهة: شبهة عدم إمكان تثبتها من وصف الجريمة لحالتها النفسية عند وقوعها.

ويؤكد مراعاة هذا المعنى في الاحتياط لشهادتها فيما ليس من شأنها أن تحضره غالبًا: أن الشريعة قبلت شهادتها وحدها فيما لا يقَع عليه غيرها، أو ما تطلع عليه دون الرجال غالبًا، فقد قرروا أن شهادتها وحدها تقبل في إِثبات الولادة، وفي الثيوبة والبكارة، وفي العيوب الجسدية لدى المرأة (٣٠٦) ، وكذا في الإرضاع، قال عقبة بن الحارث: (تزوجت امرأة، فجاءتني امرأة سوداء، فقالت: "أرضعتكما"، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: "تزوجتُ فلانة بنت فلان، فجاءتنا امرأة سوداء، فقالت لي: "أرضعتُكما"، وهي كاذبة، فأعرض، فأتيت من قِبَلِ وجهه، فقلت: " إنها كاذبة قال: " كيف وقد زَعَمَتْ أنها أرضعتكما؟ "، ففارقها


(٣٠٥) "طرح التثريب" (٣/٢٦٠) .
(٣٠٦) وهذا الحكم أيضا يعكس ما كان عليه الأوائل من تولي النساء توليد النساء وعلاجهن وتطبيبهن.

<<  <  ج: ص:  >  >>