للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأحتسبنَ، ولأصبرن إن شاء الله ") (٤٣٧) .

فانظر إلى موقف البطل المسلم حيال أمه، وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقف دونها فيعترضها! ولو سامه النبي صلى الله عليه وسلم لا أن يعترض الجيش اللهام لوقف في سبيله غير هائب ولا مدفوع.. وماله لا يعنو وجهه، ولا ترتجف أضالعه لعظمة الأمومة وعظمة الخُلُق؟!

(لبث عبد الله بن الزبير (٤٣٨) على إمرة المؤمنين، ودانت له العراق والحجاز واليمن ثماني سنين، ثم أخذ عبد الملك بن مروان يقارعه، فانتقص منه العراق، ورماه بعد ذلك بالحجاج بن يوسف، فأخذ يطوي بلاده عنه حتى أتى إلى مكة فطوقها، ونصب المجانيق على الكعبة، وأهوى بالحجارة عليها، وفي الكعبة يومئذ أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما.

وكان عبد الله يقَاتل جند الحجاج مسندا ظهره إلى الكعبة، فيعيث فيهم، ويروعُ أبطالهم، وليس حوله إلا القوم الأقلون عددًا، والحجاج بين ذلك كله يرسل إليه يمنيه الخير، ويعده بالإمارة في ظل بني أميَّة لو أغمد سيفه، وبسط للبيعة يده.

دخل عبد الله على أثر ذلك على أمه، فقال: " يا أُمَّه! خذلني الناس حتى أهلي وولدي، ولم يبق معي إلا اليسير، ومن لا دفع له أكثر من صبر ساعة من النهار، وقد أعطاني القوم ما أردت من الدنيا فما رأيك؟ فقالت: " الله الله يا بني! إن كنت تعلم أنك على حق تدعو إليه، فامض عليه، ولا تمكن من رقبتك غلمان بني أمية فيلعبوا بك، وإن كنت أردت


(٤٣٧) السابق (٢/١٢٩ - ١٣٠) ، وانظر " الروض الأنف " للسهيلي (٣/١٧٢) .
(٤٣٨) ابن الزبير رضي الله عنهما أبوه حواري رسول الله، وأمه بنت الصديق، وخالته عائشة حبيبة حبيب الله، وجدته صفية عمة رسول الله، وعمة أبيه خديجة بنت خويلد رضي الله عنهن، انظر " البداية والنهاية " (٨/٣٣٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>