للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم تلتفت لِلِداتِها (٤٤٧) ... ومَشت على غُلَوائها (٤٤٨)

وَلَدَت أغَرَّ مباركًا ... كالشمس وَسطَ سمائها (٤٤٩)

وأبو حفص عمر بن عبد العزيز: أورع الملوك وأعدلهم وأجلهم، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، أكمل أهل دهرها كمالا، وأكرمهن خلالًا، وأمها تلك التي اتخذها عمر لابنه عاصم، وليس لها ما تعتز به من نشب ونسب، إلا ما جرى على لسانها قول الصدق في نصيحتها لأمها (٤٥٠) ، وهي التي نزعت به إلى خلائق جده الفاروق رضي الله عنه.

وأمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر: الذي ولي الأندلس وهو ولاية تميد بالفتن، وتَشْرَقُ بالدماء، فما لبثت أن قرت له، وسكنت لخشيته، ثم خرج في طليعة جنده، فافتتح سبعين حصنا في غزوة واحدة، ثم أمعن بعد ذلك في قلب فرنسا، وتغلغل في أحشاء سويسرا، وضم أطراف إيطاليا، حتى ريض كل أولئك له، ورجف لبأسه، فكان أعظم أمراء بني أمية في الأندلس، حكم مدة خمسين سنة وستة أشهر، وبعد ما كانت قرطبة إمارة، أصبحت مقر خلافة يحتكم إليها عواهل أوربة وملوكها، ويختلف إلى معاهدها علماء الأمم وفلاسفتها.

أتدري ما سر هذه الهمة، وما مهبط وحيها؟ إنها المرأة وحدها! فقد نشأ عبد الرحمن يتيمًا قتل عمُّه أباه وعمره واحد وعشرون يوما،


(٤٤٧) لدات: جمع لِدة، واللًدَةُ: التربُ، من وُلِد معك.
(٤٤٨) الغُلَواء: الغُلو، وأول الشباب وسرعته.
(٤٤٩) " العقد الفريد " (٢/٢١٦) ط. بولاق، وانظر " السير" للذهبي (٤/٢٤٩) .
(٤٥٠) حكى الميداني أن عمر رضي الله عنه مر بسوق الليل - وهي من أسواق المدينة - فرأى امرأة معها لبن تبيعه، ومعها بنت لها شابة، وقد همت العجوز أن تَمْذِقَ لبنها - أي تخلطه بالماء - فجعلت الشابة تقول: يا أمه لا تمذقيه، ولا تغُشيه، فوقف علبها عمر فقال: مَنْ هذه منك؟ قالت: ابنتي، فأمر عاصمًا فتزوجها، وهى جدة عمر بن عبد العزيز لأمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>