للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتفردت أمه بتربيته وإيداع سر الكمال وروح السمو في ذات نفسه، فكان من أمره ما علمت) (٤٥١) .

وسفيان الثوري: وما أدراك ما سفيان الثوري (٤٥٢) ؟!.

إنه فقيه العرب ومحدثهم، وأحد أصحاب المذاهب الستة المتبوعة، إنه أمير المؤمنين في الحديث الذي قال فيه زائدة: (الثوري سيد المسلمين) ، وقال الأوزاعي: (ولم يبق من تجتمع عليه الأمة بالرضا إلا سفيان) ، وما كان ذلك الإمام الجليل، والعَلَم الشامخ، إلا ثمرة أم صالحة، حفظ التاريخ لنا مآثرها، وفضائلها، ومكانتها، وإن كان ضَن علينا باسمها.

روى الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله بسنده عن وكيع قال:

(قالت أم سفيان لسفيان: " يا بني! اطلب العلم، وأنا أكفيك بمغزلي (٤٥٣) ، فكانت - رحمها الله - تعمل، وتقدم له، ليتفرغ للعلم، وكانت تتخوله بالموعظة والنصيحة، قالت له ذات مرة- فيما يرويه الإمام أحمد أيضا -: " يا بني إذا كتبت عشرة أحرف، فانظر: هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك، فاعلم أنها تضرك، ولا تنفعك " (٤٥٤) .

فهل من غرابة بعد هذا أن نرى سفيان يتبوأ منصب الإمامة في الدين، كيف وهو قد ترعرع في كنف مثل هذه الأم الرحيمة، وتغذي بلبان تلك الأم الناصحة التقية؟!


(٤٥١) " المرأة العربية " (٢/١٣٦) بتصرف، وانظر: " الأعلام " للزركلي (٣/٣٢٤) .
(٤٥٢) انظر: " الإمام سفيان الثوري " للدكتور محمد أبو الفتح البيانوني ص (٣٦-٣٧) .
(٤٥٣) ، (٤٥٤) " صفة الصفوة " (٣/١٨٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>