للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المفهوم: فالنبي صلى الله عليه وسلم فرَّق بين البكر والثيب؛ كما قال في الحديث الآخر: " لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تستأمر "، فذكر في هذه لفظ " الإذن" وفي هذه لفظ " الأمر"، وجعل إذن هذه الصمات، كما أن إذن تلك النطق، فهذان هما الفرقان اللذان فرق بهما النبي صلى الله عليه وسلم بين البكر والثيب، لم يفرق بينهما في الإجبار وعدم الإجبار؛ وذلك لأن "البكر" لما كانت تستحيي أن تتكلم في أمر نكاحها لم تخطب إلى نفسها؛ بل تخطب إلى وليّها، ووليُّها يستأذنها، فتأذن له؛ لا تأمره ابتداءً، بل تأذن له إذا استأذنها، وإذنها صماتها، وأما الثيب لقد زال عنها حياء البكر، فتتكلم بالنكاح، فتخطب إلى نفسها، وتأمر الولي أن يزوجها، فهي آمرة له، وعليه أن يعطيها (٧٩٨) فيزوجها من الكفؤ إذا أمرته بذلك، فالولي مأمور من جهة الثيب، ومستأذَن للبكر، فهذا هو الذي دل عليه كلام النبي صلى الله عليه وسلم. وأما تزويجها مع كراهتها للنكاح: فهذا مخالف للأصول والعقول، والله لم يسوغ لوليها أن يكرهها على بيع أو إجارة إلا بإذنها، ولا على طعام أو شراب أو لباس لا تريده، فكيف يكرهها على مباضعة من تكره مباضعته ومعاشرة من تكره معاشرته؟! والله قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة، فإذا كان لا يحصل إلا مع بغضها له، ونفورها عنه، فأي مودة ورحمة في ذلك؟) إلى أن قال رحمه الله: (والشارع لا يكره المرأة على النكاح إذا لم ترده، بل إذا كرهت الزوج، وحصل بينهما شقاق، فإنه يُجعل أمرها إلى غير الزوج لمن ينظر في المصلحة من أهلها، مع من ينظر في المصلحة من أهله، فيخلصها من الزوج بدون أمره؛ فكيْفَ تؤسر معه أبدًا بدون أمرها؟ والمرأة أسيرة مع الزوج؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (٧٩٩) :


(٧٩٨) كذا بالأصل، ولعل الصواب: " يطيعها".
(٧٩٩) " مجموع الفتاوى" (٣٢/٢٢-٢٨) مع اختصار يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>