عليها زوجها أن تترفع عن عقلية الطفولة، فتخرج عن هذه الألاعيب والسفاسف التي كانت تبهرج بها أذنيها وعنقها وشعرها ومعصميها، مما لا يسمن، ولا يغني من جوع، ولو بيع لأشبع ثمنه بطون شعب برجاله ونسائه وأطفاله، فاستجابت له، واستراحت من أثقال الحلي والمجوهرات واللآلئ والدرر التي حملتها معها من بيت أبيها، فبعثت بذلك كله إلى بيت مال المسلمين.
وتوفي عقب ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، ولم يخلف لزوجته وأولاده شيئًا، فجاءها أمين بيت المال، وقال لها:" إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي، وإني اعتبرتها أمانة لك، وحفظتها لذلك اليوم، وقد جئت أستأذنك في إحضارها ".
فأجابته بأنها وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة لأمير المؤمنين، ثم قالت:" وما كنت لأطيعه حيُّا، وأعصيه ميتًا ".
وأبت أن تسترد من مالها الحلال الموروث ما يساوى الملايين الكثيرة، في الوقت الذي كانت محتاجة فيه إلى دريهمات، وبذلك كتب الله لها الخلود، وها نحن نتحدث عن شرف معدنها ورفيع منزلتها بعد عصور وعصور، رحمها الله، وأعلى مقامها في جنات النعيم) (١٢٩٥) .
(١٢٩٥) (مقدمة " آداب الزفاف في السنة المطهرة ") للألباني ص (٨٤-٨٨) بقلم الشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله تعالى) طبعة سنة (١٤٠٩ هـ) .