للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه السيدة التي كانت بنت خليفة، وزوجة خليفة، وأخت أربعة من الخلفاء، خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهى مثقلة بأثمن ما تملكه امرأة على وجه الأرض من الحلي والمجوهرات، ويقال إن من هذه الحلي قرطي (١٢٩٣) مارية اللذين اشتهرا في التاريخ، وتغني بهما الشعراء، وكانا وحدهما يساويان كنزا.

ومن فضول القول أن أشير إلى أن عروس عمر بن عبد العزيز كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة لا تعلو عليها عيشة امرأة أخرى في الدنيا لذلك العهد، ولو أنها استمرت في بيت زوجها تعيش كما كانت تعيش قبل ذلك لتملأ كرشها في كل يوم، وفي كل ساعة بأدسم المأكولات وأندرها وأغلاها، وتنعم نفسها بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر، لاستطاعت ذلك،.. إِلا أن الخليفة الأعظم عمر بن عبد العزيز اختار- في الوقت الذي كان فيه أعظم ملوك الأرض- أن تكون نفقة بيته بضعة دراهم في اليوم (١٢٩٤) ، ورضيت بذلك زوجة الخليفة التي كانت بنت خليفة وأخت أربعة من الخلفاء فكانت مغتبطة بذلك لأنها تذوقت لذة القناعة، وتمتعت بحلاوة الاعتدال، فصارت هذه اللذة وهذه الحلاوة أطيب لها وأرضى لنفسها من كل ما كانت تعرفه قبل ذلك من صنوف البذخ وألوان الترف، بل اقترح


(١٢٩٣) (وكان أبوها عبد الملك بن مروان رحمه الله قد أعطاها قرطي مارية، والدرةَ اليتيمة، وكانت أحب أخواتها إليه، وكان قد دعا لها قائلا: " اللهم احفطني فيها" فتزوجها ابن عمها عمر بن عبد العزيز) اهـ من " البداية والنهاية" (٩/٦٧) .
(١٢٩٤) (وقد خيرها عقب توليه الخلافة بين أن تقيم معه على أنه لا فراغ له إليها، وبين أن تلحق بأهلها، فبكت، وبكى جواريها لبكائها، فسمِعَت ضجة في داره، ثم اختارت مقامها معه على كل حال رحمها الله) اهـ من " البداية والنهاية" (٩/١٩٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>