للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" فغدا وراح عَلَىّ بها شهرًا " (١٣٠١) .

أجل، لقد تأثرت خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين - رضي الله عنها- بهذا الدين تأثرا نفذ إلى قلبه صلى الله عليه وسلم، فكان مبعث الغبطة والسكينة عند تدافع النوب، واشتداد الخطوب، ثم أعقبها جمهور النساء فتأثرن بهذا الدين تأثرًا هان وراءه كل شيء.

وأول من سبق إليه فريق الضعاف اللواتي فقدن النصَفَة، وَاسْتَهَنَّ بما أصابهن في سبيل الله، من ظلم وذل وآلام.

وكانت لقريش صولة وانبساط بالأذى على من آمن من أولئك الضعاف حتى لقد تجاوزوا به حد التعذيب والإيلام، إلى الافتنان في التمثيل، والتأنق في التنكيل، ومن أولئك اللواتي استعذبن العذاب: سمية بنت خُبَّاط أم عمار بن ياسر كانت سابعة سبعة في الإسلام، وكان بنو مخزوم إذا اشتدت الظهيرة، والتهبت الرمضاء، خرجوا بها هي وابنها وزوجها إلى الصحراء، وألبسوهم دروع الحديد، وأهالوا عليهم الرمال المتقدة، وأخذوا يرضخونهم بالحجارة، (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بعمار وأمه وأبيه وهم يعذبون بالأبطح في رَمْضاء مكة فيقول: " صبرا آل ياسر، موعدكم الجنة " (١٣٠٢) حتى تفادى الرجلان ذلك العذاب المر بظاهرة من الكفر أجرياها على لسانهما، وقلباهما مطمئنان بالإيمان، وقد عذر الله أمثالهما بقوله تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) فأما المرأة فاعتصمت بالصبر، وقرت على العذاب، وأبت أن تعطي القوم ما سألوا من الكفر بعد الإيمان، فذهبوا بروحها، وأفظعوا قِتلتها، فقد أنفذ الشريف النذل أبو جهل بن هشام حربته فيها، فماتت رضي الله عنها، وكانت أول شهيدة في الإسلام.


(١٣٠١) تقدم برقم (١٠٣٦) .
(١٣٠٢) "الإصابة" (٧/٧١٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>