للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان مِن أول ما لقنت المرأة من أدب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، الاعتصامُ بالصبر، إذا دجا الخطب، وجل المصاب.

وقد تقدم ذكر خبر الخنساء، وما ذهب به الدهر من حديث جزعها، وتصدع قلبها، واضطرام حشاها على أخيها، لقد استحال كل ذلك إلى صبرٍ أساغه الإيمان، وجمله التقى، فلم تأس على فائت من متاع الحياة الدنيا.

أولئك أبناؤها، وهم أشطار كبدها، ونياط قلبها، خرجوا إلى القادسية وكانوا أربعة، فكان مما أوصتهم به قولها: " يا بَني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو، إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما هجَّنْت حَسبَكم، وما غيرت نسبكم، واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية.

اصبروا، وصابروا، ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارا على أرواقها، فيمموا وطيسها (١٣١٤) ، وجالدوا رسيسها (١٣١٥) ، تظفروا بالغنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة ".

فلما كشرت الحرب عن نابها، تدافعوا إليها، وتواقعوا عليها، وكانوا عند ظن أمهم بهم، حتى قتلوا واحدا في أثر واحد.

ولما وافتها النعاة بخبرهم، لم تزد على أن قالت: " الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة " (١٣١٦) .


(١٣١٤) الوطيس: المعركة، أو الضرب فيها.
(١٣١٥) الرسيس: الأصل.
(١٣١٦) انظر: " الاستيعاب " لابن عبد البر (٤/٢٩٧) ، و "الإصابة" (٧/٦١٥-٦١٦) ، و " المرأة العربية" (٢/٧٩ - ٨٠) ، وقد تقدم برقم (و) ص (١٩٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>