للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك أبعد مدى تبلغه المرأة من جلال الصبر وقوة الإيمان، ولعل أبعد منه:

ما حدَّث أنس بن مالك عن أمه أم سُليم بنت مَلْحان الأنصارية زوج أبي طلحة زيد بن سهل قال: (مرض أخ لي من أبي طلحة يدعى أبا عمير، فبينما أبو طلحة في المسجد مات الصبي، فهيأت أم سليم أمره، وقالت: " لا تخبروا أبا طلحة بموت ابنه "، فرجع من المسجد، وقد تطيبت له وتصنعت، فقال: " ما فعل ابني "؟ قالت: " هو أسكن مما كان "، وقدمت له عشاءه، فتعشى هو وأصحابه الذين قدموا معه، ثم قامت إلى ما تقوم له المرأة، فأصاب من أهله، فلما كان آخر الليل قالت: " يا أبا طلحة، ألم تر إلى آل فلان، استعاروا عارية (١٣١٧) ، فتمتعوا بها، فلما طُلِبَتْ إليهم شق عليهم؟ " قال: " ما أنصفوا"، قالت: " فإن ابنك فلانا كان عارية من الله فقبضه إليه ".. فاسترجع، وحمد الله، وقال: " والله لا أدعك تغلبينني على الصبر "، حتى إذا أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: " بارك الله لكما في ليلتكما"، فاشتملت منذ تلك الليلة على عبد الله بن أبي طلحة، ولم يكن في الأنصار شاب أفضل منه، وخرج منه رجل كثير، ولم يمت عبد الله حتى رزق عشر بنين كلهم حفظ القرآن، وأبلى في سبيل الله) (١٣١٨) .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: شهدت أم سُلَيم " حنينًا " مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها خنجر قد حزمته على وسطها، وإنها يومئذ حامل بعبد الله بن أبي طلحة، فقال أبو طلحة: " يا رسول الله إن أم سليم معها


(١٣١٧) العارية: إباحة الانتفاع بعين من أعيان المال، مع بقاء عينها.
(١٣١٨) " الإصابة" (٨/٢٢٩) ، (الطبقات الكبرى) (٨/٣١٦) ، وقد استشهد عبد الله بفارس، وأصل الحديث في الصحيحين وغيرهما، وله عدة روايات جمعها العلامة الألباني في " أحكام الجنائز وبدعها" ص (٢٤-٢٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>