للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بقى إلا في نُفَيْر ما يُتِمُّون عشرة؛ وأنا وابناي وزوجي بين يديه نَدب عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآني ولا ترسَ معي، فرأى رجلًا موليًا ومعه ترس، فقال: ألقِ ترسك إلى من يقاتل، فألقاه، فأخذته، فجعلت أترس به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما فعل بنا الأفاعيلَ أصحاب الخيل؛ لو كانوا رَجالةً مثلَنا أصبناهم، إن شاء الله.

فيُقبل رجل على فرس، فيضربني، وترستُ له، فلم يصنع شيئًا، وولَّى؛ فأضرب عُرقوب فرسه، فوقع على ظهره، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح: " يا ابن أم عمارة، أمَكَ! أمك! قالت: فعاونني عليه، حتى أوردتُه شَعوب) (١٣٣٦) .

ومما حدث ابنها عمارة قال:

(جُرحْتُ يومئذ جرحًا في عضدي اليسرى، ضربني رجل كأنه الرَّقل (١٣٣٧) ، ومضى عني، ولم يُعَرّج علىَّ، وجعل الدم لا يرقأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اعصب جرحك "، فأقبلت أمي إلي، ومعها عصائب في حَقْوَيْها، قد أعدَّتها للجراح، فربطت جرحي، والنبي واقف ينظر إليَّ، قالت: " انهض بُنَيَّ فضارِب القوم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟ " قالت: وأقبل الرجل الذي ضرب ابني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضارب ابنك قالت: " فاعترضتُ له فضربتُ ساقه، فبرك قالت: " فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسمُ حتى رأيت نواجذه وقال: " استقدتِ يا أم عمارة "، ثم أقبلنا نَعُلَّه (١٣٣٨) بالسلاح حتى أتينا على نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الحمد لله الذي ظفَّرك،


(١٣٣٦) " الطبقات " (٨/٣٠٢) ، وشَعوب: من أسماء المنية.
(١٣٣٧) الرقل: جمع رقلة، وهي النخلة العالية.
(١٣٣٨) عَلَّ الضاربُ المضروبَ: تابع عليه الضرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>