للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقرَّ عينك من عدوك، وأراك ثأرك بعينك ".

وأصيبت نسيبة في هذا اليوم بثلانة عشر جرحًا، واحد منها غار في عاتقها فنزف الدم منه (١٣٣٩) ، وهي رغم ذلك كالصاعقة الساحقة، تضرب في نحور العدو، وترتمي بين صفوفهم، غير آبهة ولا دارية بالدم الناعر من جسمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمّك أمك، اعصب جرحها، بارك الله عليكم من أهل بيت، مقام أمك خير من مقام فلان وفلان فلما سَمِعَتْ أمُه قالت: " ادع الله أن نرافقك في الجنة فقال: " اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة فقالت: " ما أبالي ما أصابني في الدنيا " (١٣٤٠)) .

وولدها حبيب بن زيد بن عاصم هو الذي أخذه مسيلمة الكذاب، فقطًّع أعضاءه عضوًا عضوًا ليرتد عن دينه، حتى مات تحت العذاب، وهو ثابت على دينه (١٣٤١) .. وبلغها مقتله، فاحتسبته عند الله، وأقسمت أن تقاتل مسيلمة حتى يقتل أو تقتل، فذهبت إلى اليمامة، واشتركت في الموقعة


(١٣٣٩) ولقد ظلت تداوي هذا الجرح سنة، وحين نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إلى حمراء الأسد "، بعد انتهاء غزوة أحد بساعات شدت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم، رضي الله عنها ورحمها- انظر: " الطبقات" لابن سعد (٨/٣٠٢) .
(١٣٤٠) " الطبقات " لابن سعد (٨/٣٠٢-٣٠٣) .
(١٣١٤) وقصة ذلك: أن مسيلمة لعنه الله وجد فرصة على حبيب فقال له: " هل تشهد أني رسول الله "؟ فقال حبيب: " لا أسمع "، فقال مسيلمة: " أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ "، فقال حبيب: " نعم "، فأمر مسيلمة بقتل حبيب كما في " الحلية " (١/٣٥٦) ، فكان رجاله يقطعون جسمه عضوا عضوا، وفي كل مرة يعرضون عليه نفس السؤالين، فكان رضي الله عنه يجيب السؤال الأول بالصمم، والثاني بنعم، وكأنه رضي الله عنه كان يتمثل قول الشاعر:
أصَمُّ عن الشيء الذي لا أريده ... وأسمع خلقِ الله حين أريد

<<  <  ج: ص:  >  >>